استقالة الحريري مفاجأة سياسية مدوية

31 أكتوبر 2019
استقالة الحريري مفاجأة سياسية مدوية

استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري كانت متوقعة في لحظة ما، ومع ذلك شكّلت مفاجأة سياسية مدوية.. كانت متوقعة لأن مسار الانتفاضة الشعبية ونبض الشارع كان يوحي أن الاستقالة هي الثمن الذي يتوجب دفعه والأمر الوحيد الذي يُخرج الناس من الشارع ويفتح الطرقات، وأن الحريري واصل عاجلا أم آجلا الى الاستقالة، والمسألة لم تعد إلا مسألة وقت، بحيث يعلن الاستقالة بعد حصول توافق على الحكومة الجديدة والبديلة.

وتعزّز الاعتقاد بوجود توجه نحو تغيير حكومي بعد كلمة الرئيس ميشال عون الى اللبنانيين، والتي أشار فيها صراحة الى ضرورة إعادة النظر في الواقع الحكومي، ولكن لم يعرف ما إذا كان المقصود بإعادة النظر تعديلا في حقائب وأسماء أم تغييرا شاملا وحكومة جديدة.. وكان الحريري أول من تلقف بارتياح وحماسة هذه الدعوة الرئاسية وبنى عليها، وبدا أن إعادة النظر بالوضع الحكومي ستتم بتوافق وتفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة، ولكن هذا لم يحصل، وجاءت استقالة الحريري غير منسقة مع رئيس الجمهورية وبمنزلة استقالة أمر واقع تضع كرة النار والمسؤولية والموقف في يد ومرمى الرئيس عون.. وهنا يكمن عنصر المفاجأة.

فكرة الاستقالة راودت الحريري لأكثر من مرة منذ 17 الجاري. فكّر بالأمر عندما هاجم مناصرون ل‍حزب الله وحركة أمل متظاهرين وفي وسط بيروت في بدايات الانتفاضة.

كاد أن يقدم على الاستقالة بعدما سال الدم في البداوي وحصل اشتباك بين الجيش والمتظاهرين، قبل أن يصار الى احتواء سريع للوضع، وتبين أن ما حصل كان بسبب توقيف أحد المطلوبين من قادة المحاور كان مشاركا في التظاهرات وتم الإفراج عنه سريعا لاحتواء غضب الشارع.

كما تأثر الحريري بضغوط داخلية تلقاها من كوادر تيار المستقبل ومكتبه السياسي، ومن الشارع السني عموما، الذي كان متعاطفا مع الانتفاضة الشعبية وجزءا منها، خصوصا في طرابلس.. ولكن السبب المباشر الذي دفع الحريري الى الاستقالة كان الخلاف مع رئيس الجمهورية وحزب الله حول مضمون التغيير الحكومي، لناحية أن يكون جزئيا أو شاملا.

وهنا حصل خلاف في الطروحات والمواقف التي توزعت بين خروج لكل وزراء الأحزاب من الحكومة والوجوه الاستفزازية خصوصا، واستبدالهم بشخصيات من التكنوقراط ورجال الاختصاص، وبين تغيير شامل ينقل الحكومة من حكومة سياسية الى حكومة تكنوقراط أو الى حكومة تكنو ـ سياسية، وتصبح حكومة مصغرة من 14 وزيرا.

ولكن العقدة التي برزت واعترضت خطة الحريري وأوصلته الى الطريق المسدود كما قال، كانت مسألة بقاء أو خروج الوزير جبران باسيل في أي تعديل أو تغيير حكومي.

الوزير باسيل، مدعوما من عون وحزب الله، يعتبر أن خروجه من الحكومة لوحده سيكون بمنزلة انتكاسة سياسية وضربة موجعة له ولتياره وللعهد، كونه يمثل معادلة سياسية كرئيس أكبر كتلة نيابية ووزارية مسيحية (ويمسك في يده أيضا ورقة استقالة الحكومة)، وشريك رئيسي في التسوية التي اختزلت في السنوات الثلاث بثنائية الحريري ـ باسيل.. لم يقبل باسيل أن يساوى بغيره من الوزراء السياسيين وأن يقايض خروجه بخروج وزير “أمل” علي حسن خليل أو وزير الاشتراكي وائل أبو فاعور أو وزير تيار المستقبل محمد شقير، وإنما طرح أن يخرج مع الحريري معا من الحكومة، وأنه إذا كان لابد من حكومة تكنوقراط فلتكن برئاسة شخصية غير سياسية وغير الحريري.

رفض الرئيس عون وحزب الله تحميل باسيل وزر ما يجري في الشارع وأن يدفع وحده الثمن.

وفي اللقاء الأخير مع الحريري، أصر عون على أن أي حكومة تكنوقراط لا تتضمن باسيل أو حزب الله ستكون من دون الحريري ضمنا، وتوقف البحث عند هذا الحد وغادر الحريري قصر بعبدا منزعجا.

وبعد هذا اللقاء انقطع التواصل مع رئيس الجمهورية الذي لم يكن في أجواء الاستقالة ولم يعلمه الحريري بها، في حين أنه أبلغ الى الثنائي الشيعي، وحزب الله أولا، نيته بالاستقالة.. ففي اجتماع جمعه مع المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله (الحاج حسين الخليل)، أصرّ الحريري على تعديل وزاري يخرج باسيل أو الاستقالة.. وفيما رفض موفد حزب الله إخراج باسيل، رفض الحريري التجاوب مع طلب الخليل والتمني عليه بعدم الاستقالة تفاديا للفراغ.