حكومة النظام السوري في لبنان.. حكومة الانتقام من اللبنانيين

17 يناير 2020
تبقى الأنظار على ثورة 17 تشرين وكيفية تعاطيها مع هذه الحكومة (مصطفى جمال الدين)
تبقى الأنظار على ثورة 17 تشرين وكيفية تعاطيها مع هذه الحكومة (مصطفى جمال الدين)

إذا ما كانت المعارك السياسية التي خيضت ما بعد التسوية الرئاسية 2016، انحصرت بمعركة “استعادة الصلاحيات” للرئيس المسيحي القوي، ومعركة المحاصصات المذهبية والطائفية التي توجّها رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، ليكرس نفسه مرشحاً أوحد لرئاسة الجمهورية، عبر تطويق كل الشخصيات والأحزاب المسيحية الأخرى… فإن حكومة حسان دياب، ستكون مرحلة متقدمة من فتح الصراعات على كل الرئاسات مستقبلاً.

صورة التكنوقراط
أولاً، رئاسة الحكومة التي انتزعت من سعد الحريري، وسيكون خاضعاً لضغوط كثيرة من خصومه. وثانياً، رئاسة مجلس النواب، بعد الحملات التي تعرض لها نبيه بري، ربطاً بمحاولات إبعاده عن المشاركة الأساسية في الطبخة الحكومية، باستثناء اليوم الأخير من تشكيل الحكومة، حين زاره رئيسها المكلف للتوافق معه. فحاول برّي تحسين شروطه بتعديل بعض الحقائب والوزراء، ما دفع بدياب لإجراء جولة اتصالات أخيرة لإتمامها. وثالثاً، أراد باسيل من هذه الحكومة استعادة لانفاسه، بعد نقمة اللبنانيين عليه في ساحات الانتفاضة. فحفظ حصته في الحكومة من خلال امتلاكه للثلث المعطل، وتكريس نفسه مرشحاً وحيداً للرئاسة.

أريد لهذه الحكومة، أن تأخذ صورة التكنوقراط. لكنها، عملياً، حكومة الفريق الواحد واللون الأوحد. ولا بد من الاعتقاد هنا، ولو مجازاً، أن الاستثناء الوحيد فيها سيكون حضور حركة أمل برئاسة نبيه برّي، الذي أصبحت نقمة النظام السوري عليه واضحة. لكن لا يمكن تجاوزه في لبنان بالنسبة إلى حزب الله. عدا عن برّي، فإن الحكومة برمّتها هي حكومة النظام السوري، وما يعنيه ذلك من تطابق بين الحزب وهذا النظام في لبنان، على قاعدة منح النظام بعضاً من نفوذه في لبنان مقابل احتفاظ حزب الله بدوره وتأثيره ومن خلفه إيران في سوريا.

الصورة التجديدية التي حاول البعض وسم الحكومة بها، كان يراد لها أن تكون حكومة مقنّعة، وأنها خارجة عن الطبقة السياسية التقليدية، على طريقة الترويج أنها استجابة لمطالب المنتفضين اللبنانيين. لذلك كان استبعاد “المستقبل” و”الاشتراكي” و”القوات” ثابتاً بالنسبة إلى باسيل، فكانت هناك حسابات أخرى لبعض رعاة حسان دياب ومساعديه. وهذه جزء من هندسات النائب جميل السيد، في تصفية حسابات كثيرة، مع خصوم ومنافسين.

الانتقام من 14 آذار
سينتقم السيد رمزياً وعملياً ومعنوياً من حقبة 14 آذار ورموزها في الدولة. وهو طبعاً يفتح باباً جديداً لمعاركه المستقبلية في الوصول إلى رئاسة مجلس النواب. ولذا، تشبث أكثر في مساعيه لإنجاح دياب، لإثبات قدرته وفعاليته في منافسته التي يفتحها مع اللواء عباس ابراهيم، الذي اعتبر أنه كان أبرز رعاة المرشح سمير الخطيب لتشكيل حكومة.

في المعادلة الجديدة، ومن مفارقاتها، خروج “إبن الشهيد” من المعادلة، ليدخل أحد الذين اتهموا ذات يوم باغتياله. يدخل السيد بقوة مستعيداً دوراً كان يلعبه في حقبة سابقة، ليس مسيطراً على وزارة الداخلية وحسب، بل صانعاً للحكومة بكليتها. في الشكل هي حكومة الانتقام من اللبنانيين، وتحديداً الذين خرجوا منتفضين في العام 2005، أو الأكثر منهم الذين خرجوا في 17 تشرين. حكومة استكمال الإطباق على لبنان وسلطته، وفق مسار الانقلاب الذي بدأ ما بعد العام 2006، والـ 2008، و2011، و2016. إذا ما كانت مشاركة الحريري بالتسوية الرئاسية، مسهلة للانتقام من اللبنانيين بفعل تنازلاته، فإن الانتقام سيشمله في المرحلة المقبلة.

ستكون الحكومة أمام اختبار تحقيق جزء من الاستقرار، والحصول على المساعدات لمنع الانهيار. وطبعاً، من عمل على تشكيلها لا يريد لها أن تخوض مواجهة مع الخارج، لأن غايتها مواجهة الداخل لتطويعه وضربه، بالإستناد على غض نظر من الخارج. معركتها الأساسية ستكون كيفية الحصول على غطاء خارجي. فيما تبقى الأنظار على ثورة 17 تشرين وكيفية تعاطيها مع هذه الحكومة، لا سيما أن هذه الثورة ستكون أمام تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة.