فيما كان متظاهرو بيروت يتعرضون للضرب والرصاص المطاطي ويُسحلون ويسجنون، كانت باريس تشهد حفلة غنائية أمام دار الأوبرا كوسيلة احتجاج على أنظمة التقاعد. لكن هذا المشهد بمثابة تتمة لمشاهد الاحتجاج العنفية المستمرة في كل مدن فرنسا تحت عناوين اجتماعية مختلفة، في نقاش مفتوح حول الاصلاحات، يستعيد أيضاً مشاهد باريس عام 1968. لكن في لبنان لا تناقش الطبقة السياسية الاصلاحات، ولا سرقة المصارف لأموال المودعين، بل إنها في مقابل الاصرار على استنساخ الحكومات المتعاقبة، تحصر النقاش في وضع أطر للتظاهرات، بعدما انكسرت المحرمات المزمنة بعدم الرضوخ للسلطة. فمنذ ثلاثة أشهر والقوى السياسية تريد أن تحدد للمتظاهرين سلوكيات انتفاضاتهم و”إيتيكيت” تظاهراتهم، إذ بدأ الحديث أولاً عن الأعداد والهويات المشاركة في التظاهرات، عن سلمية التحركات والرقص والغناء وعن الاناشيد والفنانين، وعن الخيم المنصوبة، والادوار الخارجية، والانتماءات الحزبية والطائفية، وتحديد الهويات المذهبية للمشاركين. وانتقل كلام مراجع رسمية وحزبية الى تحديد خريطة التظاهرات، وأي طرق يفترض إقفالها وأي طرق يفترض فتحها. مع استقالة الرئيس سعد الحريري اتخذت القوى السياسية منحى آخر في سعيها الى تحديد برنامج عمل التظاهرات لإعادة الحريري الى السراي الحكومي وإسقاط كل مرشح غيره. ومع بدء التحرك ضد المصارف، تفرع عنوان جديد، تمثّل بمنع المس بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبالمصارف والدخول الاعتراضي اليها، وعدم استهداف النواب والشخصيات السياسية أثناء وجودهم في الاماكن العامة. وأخيراً تحولت الحملة على المتظاهرين، بعد حوادث الحمرا وبيروت، الى ديكتاتورية من نوع آخر، وانضمت الى هذه القوى السياسية طبقة إعلاميين ـــ محازبين استفادوا من الشاشات ومن وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه حملة واسعة “لتعليم” المتظاهرين مبادئ بناء الاوطان وعدم تخريب المنشآت العامة وسلوك طرق حضارية في التظاهر وتحميلهم مسؤولية الانهيار المالي والمصرفي.
مفارقة ما حصل في الايام الاخيرة من اعتداءات جسدية من القوى الامنية على المتظاهرين من الحمرا الى وسط بيروت، لا تنفصل عن الاعتداءات اللفظية من جانب أركان السلطة السياسية. لا يلتبس على هؤلاء لماذا ينزل مئات اللبنانيين الى الشارع، ولماذا يقتحمون المصارف ويكسرونها، ولماذا تتحول التظاهرات «عنفية» بعدما فشلت التحركات السلمية في تحقيق المطالب، لذا فإن العنف والاعتداءات والتجاهل المتعمد لمطالب المئات، تعكس مزيداً من المكابرة والاعتداد بالنفس وعدم القدرة على السيطرة على الوضع الداخلي”.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.