يبدو واضحا أن المشاورات والمفاوضات التي نشطت يوم أمس قد إنتهت الى طريق مسدود، ما يعني أن لا حكومة في الأفق، في ظل الحساسيات التي تتحكم بالأطراف السياسية، وتدفع كل منها الى التمسك بموقفه ولو كان ذلك على حساب البلد المنهار والشعب المنتفض.
يمكن القول إن التناقضات باتت سيدة الموقف، فالفريق الذي سمى حسان دياب هو من يعرقل تأليف حكومته، ومن نادى خلال الاستشارات النيابية الملزمة بحكومة تكنوقراط وهو من يريدها اليوم سياسية أو تكنوسياسية، ومن دعا الى حكومة مصغرة من 18 وزيرا إختصاصيا هو من يدعو الى توسيع رقعتها لتكون عشرينية أو أربع وعشرين لارضاء الأطراف السياسية وكأن ما يشهده الشارع يحصل على كوكب آخر.
هذا الواقع أدى الى تقسيم الفريق السياسي الواحد الى عدة جبهات، فالتيار الوطني الحر الذي يعلن غير ما يضمر، يصر على التمسك بوزرائه الذين يمنحونه الثلث زائدا واحدا، الأمر الذي يثير حفيظة تيار المردة الذي يرفض أن يأخذ جبران باسيل هذا الحجم الكبير مسيحيا، ويطالب بحقيبتين أو ينأى بنفسه عن المشاركة في الحكومة، وإن كانت الاتصالات قد نجحت في تأجيل المؤتمر الصحافي لسليمان فرنجية يوم السبت الفائت، فإن التطورات والاستفزازات دفعته الى تحديد موعد جديد له هو يوم غد الثلاثاء لاعلان هذا الموقف.
وفي السياق نفسه يرفض الثنائي الشيعي تشكيل حكومة من دون تيار المردة المتمسك بشروطه، فيما يطالب بطريرك الكاثوليك بأكثر من وزير، ويسعى النائب طلال أرسلان الى تحسين التمثيل الدرزي بإعطاء وزيره حقيبتين وازنتين، وهو حاول الاستفادة من إعتذار المردة عن المشاركة عله ينتزع حقيبة الأشغال الأمر الذي رفضه التيار الوطني الحر وسائر الفرقاء السياسيين الذين سال لعابهم على هذه الحقيبة.
بالأمس قام الرئيس المكلف حسان دياب بجولة مكوكية بين عين التينة وقصر بعبدا، لكنه عاد من المقرين الرئاسيين خالي الوفاض، فالرئيس ميشال عون رفض تشكيلته المقترحة، ووضع فيتو على أمل حداد لشغل منصب نائب رئيس الحكومة، وكذلك فعل الرئيس نبيه بري الذي ما يزال يصر على توسيع رقعة الحكومة الى 20 أو 24 وزيرا بما يمكن الرئيس المكلف من حل أكثرية العقد، وتمثيل أوسع للطوائف والتيارات السياسية، وإشراك وليد جنبلاط في الحكومة، إلا أن الرئيس المكلف لم يعد يملك من ماء وجهه سوى الاصرار على أن تكون حكومته من 18 وزيرا، الأمر الذي يجعل التوافق على مقاعدها شبه مستحيل، في ظل عدم مبادرة أي فريق للتنازل أو التخلي عن شروطه.
في غضون ذلك وفي ظل قيام القوى الأمنية والعسكرية بمكافحة الشغب المتنامي في الشوارع، بات تشكيل الحكومة يحتاج الى من يكافح الشغب السياسي والى من يتدخل لاعادة بعض الأحجام الى طبيعتها، والحد من الخسائر التي تلحق بالبلاد على كل صعيد وإنهاء حالة المراوحة القاتلة، فهل يتقدم حزب الله ويطلق صافرة إنتهاء الكباش ضمن الفريق السياسي الواحد، أم أنه سيستمع الى نصيحة اللواء جميل السيد الذي قال: “لقد آن الأوان لتنفض المقاومة يدها ولتترك هذا الوسخ السياسي في يد أصحابه”..