ما أن بدأت الأخبار تتوالى عن قرب تشكيل الحكومة، وذهاب الرئيس المكلف حسان دياب إلى القصر الجمهوري، حتى توالت الدعوات للاحتجاج في بيروت والمناطق.
حدث فور صدور مراسيم تشكيل الحكومة، أن قُطعت الطرقات في قلب بيروت: الكولا، البربير، فردان، كورنيش المزرعة، قصقص..
وانسحب الأمر على الكثير من المناطق اللبنانية: جونية، خلدة، الناعمة، تعلبايا، مداخل طرابلس، المنية، وعشرات الطرقات في عكار، الكورة، جبيل، صيدا..
إلى المجلس النيابي
وقبل إعلان الحكومة وإصدار المراسيم، وبينما كان دياب يجتمع مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، تجمّع أكثر من مئتي شخص أمام الشارع المؤدي إلى ساحة النجمة، قادمين من بيروت والمناطق المجاورة مثل جل الديب. بدا لافتاً حضور نساء ورجال كبار في السن بينهم. وهتف المتظاهرون ضد دياب والوزير جبران باسيل وأغنيته الشهيرة، وضد مجلس النيابي “ما بدنا مجلس نواب يوقف للسوري بواب”، وضد القوى السياسية “14 و8 عملوا البلد دكانة”. كما هتفوا ضد القمع الذي حصل في الأيام السابقة “ويا دولة التنابل رشي ميّ وقنابل”، و”ما منخاف وما من طاطي كل السلطة ع صباطي”.
في الطريق إلى المجلس النيابي كان ظاهراً الانتشار الأمني الكثيف لعناصر الجيش اللبناني على جسر الرينغ، تحسباً لقطعه من قبل المتظاهرين الغاضبين لتشكيل الحكومة، إسوة بما قام به محتجون في قطع الطريق عند المدينة الرياضية وجسر الكولا بالإطارات المطاطية المشتعلة.
واعتبر المتظاهرون أن هذه الحكومة التي تبادر إليهم أسماء الوزراء فيها، هي ضد ما يطالب به الشعب اللبناني وأنها حكومة القوى السياسية التابعة للثامن من آذار بوجوه اختصاصيين مقنعة.
علائم الغضب
وما هي إلا ربع ساعة على هذا الاحتشاد العفوي، حتى حضر عشرات المواطنين في مجموعات وكأفراد وهتفت الجموع “ثوار أحرار منكمل المشاور” و”هيلا هو هيلا هو هيلا هيلا هو جابولنا حسان دياب ونحنا منسقطوا”.
أمام السور الحديدي الذي رفعته شرطة المجلس النيابي أكثر من المرات السابقة، والذي بدا أكثر تحصينا من الأسوار السابقة، وسرت شائعات أنه مجهز بالتيار الكهربائي للاستخدام عند الحاجة، تسلق بعض الشبان مقدمة السور وراحوا يتلمسونه ويرتجفون، كنوع من استخفاف لهذه الإجراءات. وراح البعض يلتقطون الصور وكانت الجموع تهتف و”ارفع سور المجلس علّي بكرا الثورة تشيل ما تخلي”.
وبدا الغضب واضحاً على وجوه الجميع الذين راحوا يهتفون “مش سلمية مش سلمية، هيدي ثورة مش سلمية” و”جايي جايي الاشتباك”، و”مش خايفين مش خايفين ومن الشارع مش فالين”.
وأظهرت الهتافات امتعاض المتظاهرين من رئيس الحكومة المكلف “ارحل ارحل حسان دياب” ومن طريقة تشكيل الحكومة والتحاصص السياسي فيها وتكريس تقاسم الوزارت بين القوى السياسية كما كانت في السابق، إذ هتفوا “شيلوا بري من المالية، بالقليلة عطونا هدية”. وطالت الهتافات رياض سلامة وكل الرموز السياسية التي هتفها المتظاهرون طوال الأشهر الفائتة منذ اندلاع ثورة تشرين.
تحدي الأسوار
بدأ الشبان بتسلق السور ومحاولة نزع الأسلاك الشائكة وراحوا يطلقون ضوء اللايزر الأخضر على قوات مكافحة الشغب التي استنفرت سريعاً. فهتفت الجموع للشبان مشجعة، خصوصاً بعد اقتراب أحد العناصر الأمنيين داعيا الشبان للتوقف عن أفعالهم. فهتف المتظاهرون “شبيحة شبيحة شرطة المجلس شبيحة” وشملوا رئيس المجلس بهتافاتهم مطلقين شتائم بحقه.
تمكن الشبان من انتزاع الأسلاك الشائكة التي تعتلي السور وكان معهم أحد المتظاهرين الملفوف الرأس بضمادات جراء الاعتداءات التي حصلت على المتظاهرين خلال يومي السبت والأحد، الذي راح يهتف “مولوتوف مولوتوف، بدل الشمعة مولوتوف”. كما كان لافتاً مشاركة متظاهرين من المصابين بجروح مختلفة، مثل كسور في اليدين وخلافه، في هذا الاعتصام الليلي.
مع اعلان مراسيم تشكيل الحكومة كان عدد المتظاهرين قد أصبح نحو ألف شخص واستمر المواطنون بالتوافد إلى الساحة. وبدا من خلال الهتافات أن المتظاهرين لا يريدون التراجع رغم القمع بالرصاص المطاطي. “رصاصة مطاطة والمجلس بدو قراطة” هتف المتظاهرون. كما هتفوا لرحيل رئيس الجمهورية إسوة برحيل دياب.
هذه التظاهرة العفوية و”الحاشدة” نسبياً باعتبار أن لا دعوات مسبقة لها وطبيعة الهتافات التي استعادت الشتائم بحق المسؤولين، وبعد القمع الدموي الذي طال المتظاهرين الأسبوع الفائت، تشي بأن تراجع هؤلاء المتظاهرين والرهان على قمعهم أو تعبهم بات مستيحلا، خصوصاً أن الرصاص المطاطي والمقذوفات التي تحتوي على كرات حديدية صغيرة، التي استخدمت في الأيام السابقة، أدت إلى فقدان بعض المتظاهرين عيونهم وأطرافهم. وبدا لافتاً حضور المواطنين مع أولادهم، حتى أن أحدهم رفع طفلته على أكتافه واضعاً خوذة على رأسها تحسبا لسقوط الحجارة من أعالي البنايات المحيط بهذا الشارع كما حصل يوم الأحد.
القمع والتشبيح
بعد محاولات حثيثة لكسر الحصار المفروض عنوة على ساحة النجمة، تمكن الشبان من خلخلة جزء من السور الضخم. وراح المتظاهرون يرشقون قوات مكافحة الشغب بعبوات المياه الفارغة وبكل ما كان معهم، حتى أن بعضهم احضر محارم المراحيض. بعد رمي بعض المتظاهرين عدة مفرقعات على السور راح المتظاهرون يهتفون لهم “عيدا عيدا”، في رغبة منهم الاشتباك مع القوى الأمنية الحامية للمجلس، والمانعة لهم التقدم نحو ساحة النجمة لتحريرها من “المية وثمانية وعشرين حرامي”، كما هتفوا.
وبعدما تمكن المتظاهرون من انتزاع جزء من السور واطلاق المفرقعات، انهالت القوى الأمنية عليهم بالقنابل المسيلة للدموع، على مثال بقية التظاهرات السابقة. واستمر الكر والفر حتى ساعات متأخرة من صباح الأربعاء.
في سياق متصل بالقمع والتشبيح وإطلاق الزعران ضد المتظاهرين، تعرض السينمائي ربيع الأمين لاعتداء من شخص مجهول خلال مشاركته في هذه التظاهرة الليلية. فقد أتى شخص وسأله عن اسمه قائلا: هل أنت ربيع الأمين؟ وعندما أجابه بنعم، انهال عليه بلكمة على انفه أدت إلى كسره ولاذ بالفرار. ولفت الأمين إلى أنه منذ الدعوى التي قدمها بحقه صاحب مصرف الموارد مروان خير الدين يتعرض لمضايقات حتى أن أحدهم كان يتربص له في مدخل أحد البنايات مرة ونجا منه، كما قال.
طرابلس: لا لحكومة حزب الله
في عاصمة الشمال، يبدو واضحًا أنّ طرابلس لم تتقبل إعلان حكومة حسان دياب، وهي مقبلة على خطوات تصعيدية كبيرة رفضًا لهذه الحكومة، التي أطلق عليها آلاف المحتجين والثوار لقب “حكومة الوكلاء” واللون الواحد و”حكومة حزب الله”.
في هذا الوقت، بدأت الدعوات الشعبية لتوسيع حركة الاحتجاجات والعصيان المدني وقطع الطرقات بالكامل، في ظل المخاوف من ارتفاع منسوب القمع الأمني.
لقراءة المقال كاملاً أضغط هنا