تحت عنوان: “حكومة الأرقام الوهمية ليست أكثر من رسالة إيجابية”، كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”: بعد نجاح جلسة الموازنة، مع ما رافقها في الشارع وفي مواجهة الحراك، ناهيك بخطة أمنية اشبه بقبضة خانقة يصعب الاعتياد عليها في كل مرة يلتئم البرلمان، يأتي الاختبار التالي المشابه، وربما بصدامات مماثلة، مع جلسة الثقة مطلع الاسبوع المقبل.
على وفرة الشكوك والاراء المتناقضة التي قيلت في جلسة اقرار موازنة 2020 امس، سواء بازاء جواز التئام مجلس النواب او مثول حكومة الرئيس حسان دياب امامه، الا ان انعقادها والمداولات التي رافقتها ونتائج التصويت ارسلت اكثر من اشارة ذات مغزى:
اولاها، ان المشاركة فيها لم تقتصر على افرقاء اللون الواحد، وهم قوى 8 آذار، ولاّدة الحكومة الجديدة. بل حضرتها كتل من المفترض انها ستقاطع الجلسة كجزء لا يتجزأ من موقفها السلبي من الحكومة نفسها ورئيسها. مع ذلك اتى نواب من كتلتي المستقبل واللقاء الديموقراطي. الاولى غير ممثلة في الحكومة ومناوئة لها، والثانية ممثلة بخجل من خلال وزيرة الاعلام. زعيما الكتلتين الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط قالا قبل ايام بمنح الحكومة الجديدة الفرصة للتحقق من افعالها، الا انهما تباينتا في التصويت: الاولى عارضت والثانية امتنعت، مع انهما كانتا ممثلتين في الحكومة التي اعدت الموازنة. مشهد يُرجح ان يتكرر في جلسة الثقة بالحكومة جراء تمايز موقفيهما وموقعيهما منها. بيد ان افضل ما فعلتاه تعزيز اكتمال النصاب القانوني ورفع رقمه، بعدما بدا ان جلسة الموازنة لم تكن امام امتحان اقرارها – وان بغالبية عادية يجيزها الدستور – بل اختبار انعقاد نصابها القانوني.
ثانيتها، بعدما تردد في اليومين المنصرمين ان كتلة المستقبل ستتغيب حتماً عن الجلسة، افضى قرارها قبيل انعقادها الى الحضور بعدما بلغ اليها ان دياب سيتبرأ من مشروع الموازنة، ويتنصل من مسؤولية حكومته عنه كونها لم تضعه ولم تطلع عليها ولم تبدِ رأياً فيه حتى. من ذلك اصرار بعض نواب الكتلة على احراج دياب لانتزاع اعترافه حيال موقفه من موازنة اعدتها حكومة سلفه. سارع دياب الى تأكيد تبنيه مشروع تحفظ عنه سلفاً. في اجتماعات لجنة البيان الوزاري السبت والاحد، كانت وجهة النظر الغالبة عدم حضور جلسة موازنة ليست حكومة دياب مَن صنعها ولا تدعم ارقامها، ناهيك بأن الحكومة نفسها لم تنل بعد ثقة البرلمان كي تتمكن من المثول امامه كما من استردادها. استقر الرأي على حضور دياب، مع تأكيد مسبق على انه لن يتدخل في مناقشات الموازنة، ولا اقتراح اي تعديل لها، كونه لا يريد تحمّل وزر وضعها. بيد انه – كرئيس للحكومة – ملزم في نهاية المطاف تطبيق بنودها وارتداء البذلة التي لم يخيطها. الواقع ان هذا التبني حاصل وحتمي، وهو الذي يبرر انعقاد جلسة مجلس النواب. من دونه لا طائل منها.
على نحو كهذا تصرّفت كتلة المستقبل، على ان حضور بعض نوابها يتوخى تسليف رئيس المجلس نبيه برّي هذا الموقف، بينما تصويتها ضد موازنة اعدتها حكومة زعيمها موجه تحديداً الى دياب.