الانطباع الذي توحي به الحكومة الجديدة هو الغموض. ويقول سياسي متابع: عندما تنظر إلى هذه الحكومة تشعر أنك أمام جسم باهت لا حراك فيه. ولذلك، يصعب إدراك النهج الذي ستعتمده في عملها.
هناك غموض رافق أولاً عملية اختيار دياب بعد فشل اختيارات أخرى، لأنّ دار الفتوى رمَتها بـ”الحرم” السياسي. وفي التأليف، جرى الحديث عن قُطَب مخفية محلية وخارجية كانت حاسمة في إخراج هذه التركيبة.
وما يزيد الغموض هو أنّ رئيس الحكومة والوزراء جميعاً يلتزمون الصمت في كل شيء، ويتجنّبون الحديث عن المستقبل، ويكتفون بعبارة: “إنتظروا مِنّا الأفعال لا الأقوال”. ولكن أين الأفعال إذا بدأت بموازنة مُستعارة، وبجلسة لإقرارها حضرها دياب وحيداً متأملاً، ولم يشارك فيها حتى الوزير المعني بالموازنة؟
هناك من يقول: إنها عملياً حكومة اللون الواحد، 8 آذار. فالاستعانة بالتكنوقراط والأكاديميين من ذوي الثقافات الأميركية والغربية والحضور النسائي خَفّفت من صورة انحياز الوزراء سياسياً إلى جبهة معينة، لكنها لم تلغِ أنّ هؤلاء بمعظمهم ممثلون لقوى سياسية وحزبية تستطيع أن تسحبهم من مواقعهم إذا خالفوا التعليمات.
ولكن، هل دعم القوى السياسية لهذه الحكومة مُطلق؟ وهل يمكن أن تطرأ تحوّلات تدفع هذه القوى إلى أن ترفع عنها الغطاء، في لحظة معينة، وتُسقطها؟
في اعتقاد المتابعين أنّ ذلك وارد، وربما في مواعيد ليست بعيدة. والقوى السياسية تدرك ذلك. ولهذا السبب هي تحاول كسب الوقت لتتلمّس كيفية مواجهتها استحقاقها السياسي الأول، البيان الوزاري.
فمهما كان البيان مقتضباً، لا بدّ من أن يقارب مفهوم المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، وفي عبارة أكثر وضوحاً، علاقة “حزب الله” بالدولة. وهذه المسألة موضوعة تحت المجهر دولياً. والأرجح أنّ هذا هو الدافع الأساسي لإقرار الموازنة قبل الثقة.
ليس واضحاً كيف سيتم إخراج الصيغة السياسية في البيان الوزاري. ولكن، بالتأكيد، ستواجه الحكومة “مِن أول دخولها” سُبل التعاطي مع التحوّلات الساخنة إقليمياً، والتي تعصف بلبنان أيضاً، ولاسيما منها تلك التي يطرحها إعلان “صفقة القرن”، كالتوطين الفلسطيني ومسائل الحدود والتحديات السياسية، إضافة إلى مسائل النفط والغاز ونزاعات المحاور الإقليمية والدولية التي ينخرط فيها لبنان.
مثلاً، كيف ستتفاعل حكومة دياب مع بعض القوى العربية الفاعلة، إذا لم تتوافق معها على النظرة إلى الملفات الساخنة التي تطرحها “صفقة القرن”؟ وكيف تقيم توازناً بين مصالح لبنان وتمسّكه بموقفه المبدئي من جهة ومراعاته لمواقف هذه القوى النافذة، وفيما هو يحتاج إلى أكبر دعم عربي لمواجهة الأزمة الخانقة؟
وفي المرحلة المقبلة سيكون مطلوباً التعبير عن المواقف، وتحديد التموضع في وضوح: الأبيض “أبيض فاتح” والأسوَد “أسوَد غامق”. فهل الحكومة الوليدة مهيّأة لهذا التحدّي؟
إذا قرّر فريق 8 آذار، ولاسيما منه “حزب الله”، أن تكون الحكومة أداة له في المواجهة الكبرى بين المحاور، فسيجد رئيسها نفسه واقعاً في مكان يصعب الخروج منه. فالحصار الاقتصادي والمالي الذي يتعرَّض له لبنان، تحت طائلة النأي بالنفس والشفافية، سيتصاعد حدّة. وهذا ما سيدفع بلبنان إلى الغرق سحيقاً في الحفرة.
وأساساً، بقي هذا الفريق يحاول تشكيل حكومة تحت سقف “تركيبة 2016” حتى اللحظة الأخيرة. ولم يكن يريد حكومة اللون الواحد، ليحافظ على التغطية الشاملة من جهة، ولكي لا يتيح لخصومه السياسيين، ولاسيما منهم الحريرية السياسية، أن يخرجوا من اللعبة تسلّلاً ويتنصّلوا من مسؤوليتهم المتمادية طوال ربع قرن، ويتّخذوا لأنفسهم مواقع هجومية من الخارج.