وعلى رغم هذا الكمّ من الأزمات يستمر دياب في معاكسة الظروف، وهو بذلك يكون أمام إحتمالين، الأول أنه إما لا يريد أن يسمع ما يسمعه معظم اللبنانيين، وإما أنه ينتظر شيئًا ما من خارج السياق الطبيعي لسير الأمور، وهو أمر مستبعد بعدما بلغ إليه بالتواصل المباشر مع بعض سفراء الدول المهتمة بالشأن اللبناني أن لا مساعدات خارجية للبنان قبل بلوغ مرحلة متقدمة من الإصلاحات والإنجازات، وهي في حال حصولها لن ترى النور قبل ستة أشهر تبدأ مع نيل الحكومة ثقة مجلس النواب.
فعلى ماذا يراهن دياب وعلى من يتكل؟
الشارع قال كلمته، وهو شارع لا يُستهان به، وهو الذي فرض الإستعانة بـ”السبعة ودمتها” من أجل عقد جلسة الموازنة، وعلى الأرجح سيتم اللجوء إلى أخوات “السبعة” حين يحين موعد جلسة الثقة. قال الشارع لا لحكومة “اللون الواحد”. لا لحكومة المواجهة. لا لحكومة الأحزاب. لا لحكومة تتستر بوجوه تكنوقراطية. لا لحكومة غير مستقلة. لا لحكومة “حزب الله”.
فإذا كان الرهان على الشارع لإعطائه فرصة لإثبات الحكومة جدارتها فهي حتمًا لن تلقى من هذا الشارع المنّ والسلوى، وهو رفض إعطاءها هذه الفرصة، ولسان حاله يقول “المكتوب يُقرأ من عنوانه”.
أما إذا كان الرهان على بعض الخارج، وقد أتته بعض الإشارات من إستعداد روسي لمساعدة لبنان، فإنه كرهان الذي يسلخ جلد الدبّ قبل إصطياده، أو كمن يصطاد سمكًا في بحر هائج.
الرهان الوحيد الذي يعتمد ويعّول عليه رئيس الحكومة هو ما يصل إليه من رسائل من حارة حريك، بعدما تأكد أن “حزب الله” سيضع كل ثقله وسيفعل المستحيل من أجل إنجاح عمل الحكومة في هذه الظروف الصعبة، وهو على إستعداد لتجيير كل طاقاته من أجل إزالة كل الألغام المزروعة في درب دياب، مع العلم أن قيادة الحزب تدرك جيدًا أن هذه المهمة ليست بالأمر السهل.
لكن دون هذا الرهان محاذير عدّة، وأولها أن واشنطن ستعتبر الأمر تحدّيًا مباشرًا لها، خصوصًا أن دياب الآتي من خلفية موقعه السابق في الجامعة الأميركية لا يمكنه أن يضع كل بيضاته في سلّة “حزب الله”، وهو المرفوض ضمن بيئته التي تقف في إيديولوجيتها على نقيض من توجهات الحزب الإقليمية.
فأيًّا تكن المعطيات المتوافرة بين ايدي رئيس الحكومة فإن المرحلة المقبلة تتطلب إتخاذ إجراءات موجعة، كما أعلنها رئيس الجمهورية، ولكن هذه الإجراءات لن تلقى ترحيبًا من قبل المنتفضين في الشارع، خصوصًا أن ثمة إصرارًا لدى السلطة لتدجينها وقصقصة جوانحها قبل الإقدام على أي خطوة من قبل الحكومة المحشورة في زاويتين، الأولى محلية وتتمثل بحركة الشارع الرافض إعطاءها أي فرصة، والثانية خارجية وتقوم على سيبة الموقف الأميركي والدول السائرة في الركب الأميركي.