“السيّد” يفتتح معركة وراثة نبيه برّي!

طموح السيد لم يعد خافياً في وراثة نبيه برّي

31 يناير 2020آخر تحديث :
“السيّد” يفتتح معركة وراثة نبيه برّي!
منير الربيع
منير الربيع

على نحو دراماتيكي ومتسارع، يُصاب “أقطاب” السياسة بمزيد من الترهل. يصطدمون ببعضهم البعض. العقد فيما بينهم، ينفرط. بدأ الشركاء يفضحون بعضهم ويتهاجمون على بعضهم البعض، متبرعين للجمهور بالمزيد من الفضائح عبر إلقاء الاتهامات وتقاذف المسؤوليات في الفساد. فلم تتأخر الفضائح عن التكشف بين رئيس الجمهورية والرئيس سعد الحريري، اتهم الرجلان بعضهما البعض وتياريهما بصفقات الفساد. ما إن هاجم عون الحريري، حتّى ردّ عليه الأخير غامزاً من قناة تورّط تياره بمحميات الكهرباء وغيرها. لم يتأخر الأفرقاء عن لعبة الفضح المتبادل. وفي حالات الهوان هذه، سيزداد كم الفضائح. ليس آخرها المعركة المفتوحة في “الساحة الشيعية”، وتحديداً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب جميل السيد.

تجربة إميل لحود
تقدّم الحكومة الجديدة نفسها كحكومة لمحاربة الفساد. لكنها عملياً وفي مضمرها السياسي هي لتصفية الحسابات مع قوى أخرى. في أوائل عهد اميل لحود، عند تشكيل حكومته الأولى، أعطيت صفة محاربة الفساد. لم يشارك رفيق الحريري ووليد جنبلاط في تلك الحكومة، ونبيه برّي وافق على مضض على وصول إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية. وكان من أكثر المنزعجين. في ذلك العهد بدأ نفوذ جميل السيد يتعاظم، ويصبح مقرراً رئيسياً في السياسة الداخلية وفي سلوك الدولة. بدا العهد وكأنه مرحلة أولى لكسر “الترويكا” التي تكرست بعد الطائف.

عملت حكومة لحود الأولى على ما يسمى مكافحة الفساد. حصلت حينها استقالات وعمليات زج مدراء عامين ومسؤولين في السجون. وحينها تمكن برّي من الحفاظ على موقعه القوي، على الرغم من أن جنبلاط والحريري الأب كانا خارج الحكومة، وهذا ما خدمهما في انتخابات العام 2000. إذ صُوّر استبعادهما أنه استهداف سوري، طالما أن بري بقي ضمن التركيبة. في التحضير للانتخابات النيابية، التي كانت يفترض أن تحصل في العام 2004، بدأ الصراع يتوسع أكثر بين برّي والسيد. حصلت في حينها مواجهات دموية أمام وزارة العمل وفي حي السلم، مع الجيش اللبناني. وحينها كان الصراع جزء من حرب النفوذ بين الرجلين، كجزء من إرادة إقليمية ومحلية لتهيئة الظروف لمرشح جديد إلى رئاسة المجلس النيابي.

شعار محاربة الفساد
المعادلة التي فُرضت في تشكيل الحكومة الجديدة، والصراع الذي ظهر متجدداً إلى العلن بين بري والسيد، إلى جانب رفع شعارات محاربة الفساد، من قبلها، ستكون مشابهة بشكل أو بآخر لحكومة عهد لحود الأولى. جنبلاط والحريري خارجها، وبرّي يصارع حتى يحتفظ بالحصة التي يريدها. لكن هذه المرة سيكون موقعه أضعف، خصوصاً أنه واحد من أكثر المستهدفين بالشبهات والاتهامات منذ اندلاع انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين. بل وبالعودة إلى الأيام الأولى للثورة، كان عنوان الهتافات في مناطق الجنوب وغيرها من المناطق هو بري وزوجته والمقربين منه، إلى حد حرق صورته عيانياً ورمزياً.

يجتمع حالياً منطق محاربة الفساد والثورة الشعبية، مع طموح سياسي دائم ومستمر، لدى التيار الوطني الحرّ، وجميل السيد، وحزب الله، لتصفية الحساب مع سياسيين آخرين تحت شعار محاربة الفساد. مواقف جميل السيد لا تتوقف في هذا الاتجاه. وعون وباسيل يرفعان شعارات محاربة النهج السياسي المثبت منذ ثلاثين سنة، ويحمّلون المسؤولية لخصومهم في السياسة. بينما حزب الله كان قد تحدّث عن الملفات التي يمتلكها، ويدّعي أنه يريد محاربة هذا الفساد. طبعاً، كل القوى السياسية اللبنانية متورطة بالفساد، هذا باعتراف الجميع وبإثباتات دولية، وتتزامن مع ضغوط علنية تطالب بإجراء إصلاحات جذرية.

في ظل الضغط الدولي، والكلام عن فرض عقوبات على فاسدين لبنانيين، تعرف بعض القوى اللبنانية أن هناك من سيدفع ثمن ذلك. ومن يدفع الثمن في هكذا دول يكون الأضعف في المعادلة السياسية. سيحاول عون وحزب الله وبعدهم جميل السيد، الادعاء أن حكومتهم هذه مهمتها إنجاز إصلاحات ومكافحة الفساد. وفي الحرب المفتوحة، تتركز أنظارهم على ملفات الفساد المتعلقة بالحريري وبري وجنبلاط.

مصير “الثلاثي” والوراثة
يجتمع الثلاثي الذي يطلق على نفسه صفة “الحديث” في السياسة، في مواجهة “التقليديين” أي جنبلاط والحريري وبري. وما يجمعها أبعد من معركة النفوذ. بل هي بنظرهم معركة تغيير الوجهة السياسية للبنان برمّتها. وبالتالي، التضحية بالتركيبة الحالية، وببعض رموزها. في التوزيع الطائفي لملفات الفساد، طبعاً سيدفع السنّة ثمن ذلك، وكذلك دروز. في ظل العهد الحالي، الحرب على الدروز تتجسد بوليد جنبلاط. وبعد الخلاف بين عون والحريري، فإن المعركة ضد السنّة تتجسد في الحريري. تبقى الساحة الشيعية التي يسعى كثيرون لتدفيع برّي ثمن الفساد فيها، وجعله كبش فداء للفساد الشيعي في الدولة اللبنانية.

المعركة لا تنفصل عن السياق السياسي، الذي يحاول منذ فترة إضعاف نبيه برّي، والتي يستند فيها التيار الوطني الحرّ من جهة، وجميل السيد من جهة أخرى، على دعم من النظام السوري، وعلاقة قوية بحزب الله. ويلوّنوها بصيغة مكافحة الفاسدين، الواجب تغييرهم، والاستفادة من التحركات الشعبية لتصفية حسابات سياسية.

المعركة التي تخاض ضد برّي – منذ وصفه من قبل باسيل بالبلطجي- واستكمالها من قبل جميل السيد، هدفها فتح باب مواجهة الشخصيات السياسية التقليدية، ليحل أركان العهد الجديد مكانهم. ميزة نبيه برّي، بما يمثل، أنه جامع حركة أمل. ولا أحد يتمكن من جمعها غيره. وبانفراط عقد الحركة، سيتمكن حزب الله من استقطاب جزء أساسي منها، بينما الجزء الآخر سيغرق في الفوضى ويتشرذم. اعتاد الحزب على هذه الثنائية منذ سنوات، وهي تريحه نسبياً، ومن خلالها تمكن من إمساك الوضع الشيعي. أما بحال اختلت هذه الثنائية أو انكسرت، فسيكون لذلك تداعيات كثيرة. ذلك ما يجعل الحزب راهناً متمهلاً إزاء برّي ووضعيته.

لكن، هناك من يفكر بفتح معركة وراثة رئاسة المجلس النيابي. وطموح السيد لم يعد خافياً، خصوصاً أنه من يستعجل مواجهة برّي، ويستند على أن لا وريث للرجل في الحركة ولا في الحياة السياسية. لذلك فإن المعركة ضده تخاض على خطين، خط مهاجمته بشتى الطرق وتصفية الحساب معه، وخطّ فتح باب الساحة الشيعية أمام تنوع جديد وشخصيات جديدة تبقى تحت سقف حزب الله.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.