خطر يُهدد الملايين.. مزارع الدواجن تستخدم مضادات حيوية تؤدي الى أمراض مميتة

1 فبراير 2020
خطر يُهدد الملايين.. مزارع الدواجن تستخدم مضادات حيوية تؤدي الى أمراض مميتة

كتبت زينب عثمان في “الأخبار”: لتسريع نمو الدجاج وتصريفه في الأسواق، تلجأ معظم مزارع الدواجن في لبنان إلى إعطائها عقار “كوليستين”، وهو مضاد حيوي يستخدم في علاج مرضى الحالات المستعصية. سوء استخدام هذا العقار أدّى الى انتشار جين “mcr-1″ المقاوم للمضادات الحيوية بما فيها الـ”كوليستين” نفسه. بكلام آخر، نحن أمام سيناريو العودة الى ما قبل ظهور المضادات الحيوية، وأمام عودة الأمراض التي كان يمكن علاجها بالمضادات إلى أمراض مميتة مرة أخرى، وهذا من “أكبر الأخطار التي تهدد الصحة العالمية والأمن الغذائي”، وقد يتسبّب بوفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً بحلول سنة 2050، بحسب منظمة الصحة العالمية. 

في ختام محاضرة أُلقيَت، قبل أسبوعين، في حرم كلية العلوم الزراعية والغذائية (FAFS) في الجامعة الأميركية في بيروت، خرج الحاضرون باستنتاجات غير سارة… وكثير من الذعر. أوّل تلك الاستنتاجات يفيد بأن عقار الـ«كوليستين»، المضاد الحيوي الذي يُعطى عادةً للمرضى في حالات المرض المتقدّمة، يُستخدم في مزارع الدواجن في لبنان «بكميات كبيرة وبطرقٍ غير خاضعة للرقابة» لتسريع نمو الدجاج وتصريفه في الأسواق. يعني ذلك أن الدجاجات “غير المريضة” تمرّر لها جرعات من هذا العقار، غالباً عن طريق إذابته في مياه الشرب، في بلد يضمّ أكثر من 600 مزرعة دجاج، ويستهلك بين 50 و60 مليون فروج من الانتاج المحلي سنوياً.
ثاني تلك الاستنتاجات أن 90% من العينات البكتيرية التي أخذت من مزارع دواجن متعددة «في كلّ من الشمال والجنوب اللبناني» تحتوي على جين “mcr-1” المقاوِم للـ”كوليستين”، والذي تم اكتشافه للمرة الأولى في مزارع الخنازير في الصين عام 2015، قبل أن يُكتشف لاحقاً في أكثر من 30 دولة. هذا الاستنتاج توصّل إليه الأستاذ المساعد المتخصّص في العلوم الجرثومية والغذائية عصمت قاسم، في تموز الماضي، في دراسة أجراها بإسناد من “فريق عمل بحثي يتألف من أساتذة مختصّين ومجموعة من الطلبة الباحثين”، أجروا لاحقاً أبحاثاً أخرى في هذا الإطار. إلا أن قاسم فضّل – على ما يبدو – تعميم نتائج كل الدراسات خلال المحاضرة، دُفعةً واحدة، وبشكلٍ تسلسلي ومترابط، علّ الحاضرين يتنبهون إلى سوء الوضع الذي “يستدعي قرع ناقوس الخطر على المستوى الوطني”.
“نتائج كهذه تهتزّ على اثرها حكومات في الخارج”، يقول ممازحاً، قبل أن يستدرك بأن الأمر “لا يحتمل سخرية”، ويستدعي تدخلاً حاسماً من الجهاز الرقابي في وزارة الزراعة، إذا افترضنا أن للوزارة جهازاً فاعلاً يدرك أساساً أن المزارعين في لبنان يشترون الـ”كوليستين” بالسهولة التي يشترون فيها الخبز والسكر، ويستخدمونه في تحفيز نمو الحيوانات المنتجة للأغذية. وهو استخدام سبق أن حظره الاتحاد الأوروبي عام 2006، والولايات المتحدة عام 2017.
الاستنتاج الثالث و”الأهمّ”، يفيد بالعثور على جين “mcr-1” في 44% من عينات بكتيريا “E. coli” تم عزلها عن مياه الاستخدام المنزلي ومياه الصرف الصحي في مخيمات النازحين المنتشرة بين البقاع والجنوب. وهذا يعني أمرين: أن الجين دخل في منظومتنا الغذائية وهو قابل للانتقال بسرعة بين البكتيريا بأنواعها المختلفة، وأن الأخيرة تتحوّر من خلال الطفرات الجينية (Mutations) لتصبح مقاوِمة للمضادات الحيوية المستخدمة في علاج العدوى، بما فيها الـ«كوليستين». وعندما تشهد البكتيريا المقاومة للمضادات زيادة كبيرة في النمو لسهولة تنقلها بين البشر والحيوانات، يتحقق السيناريو الذي يتخوف منه العالم اليوم: العودة إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية!

ماذا يعني ذلك؟
ثبات وجود جين “mcr-1” في بكتيريا “E. coli” التي ينقلها الدجاج إلينا عبر السلسلة الغذائية يعني، عملياً، أن أجسادنا “خرقتها” البكتيريا التي تتغذى على الـ”كوليستين”، وقد لا نعود قادرين، في المدى القريب، على مواجهة تفاقم مقاومة البكتيريا للعلاج. وعليه، تصبح الأمراض التي كان يمكن علاجها مطلع القرن الماضي، مميتة مرة أخرى بسبب ضعف قدرة المضادات الحيوية على مقاومة البكتيريا. بمعنى أن الإجراءات الطبية الشائعة، مثل العمليات القيصرية وزرع الأعضاء والعلاج الكيميائي، قد تصبح محفوفة بالمخاطر إلى درجة لا يمكن تصوّرها. ولهذا السبب، تعتبر منظمة الصحة العالمية مقاومة العقاقير واحدة من “أكبر الأخطار التي تهدد الصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية”. وهي المشكلة التي قد تتسبّب بوفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً بحلول سنة 2050، وفق دراسة نشرت عام 2016، ما لم تتخذ إجراءات جدية لكبح تمدّد الظاهرة، خصوصاً في قطاع الزراعة الحيوانية.