“لن ندفع الثمن” نهاية مرحلة الشغب؟

مرحلة جديدة من التحركات قد تبدأ من تحدي منع

2 فبراير 2020
“لن ندفع الثمن” نهاية مرحلة الشغب؟
وليد حسين
وليد حسين

إسوة ببقية أيام السبت الفائتة، نظم ناشطون ومجموعات سياسية مسيرات شعبية في شوارع بيروت وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، تحت عنوان “لن ندفع الثمن”. وانطلقت المسيرات من أمام المصرف المركزي في شارع الحمراء تحت شعار تأميم المصارف، للاعتراض على الإجراءات المالية التي تعتمدها المصارف، وتخوف المواطنين من سرقة ودائعهم، بسبب تمنع المصارف عن الدفع. والتقت هذه المسيرة أمام مبنى الواردات في وزارة المالية مع مسيرة أخرى انطلقت من ساحة ساسين نزولاً إلى قصر العدل. وكان مبنى جمعية المصارف نقطة التقاء المسيرات الثلاث. إذ انطلقت في الوقت نفسه مسيرة من أمام مبنى الاتحاد العمالي العام مروراً بمؤسسة كهرباء لبنان.

الاتحاد العمالي الغائب
تأتي هذه المسيرات في وقت باتت اللجنة الوزارية على مشارف الانتهاء من البيان الوزاري، لتقديمه إلى المجلس النيابي، تمهيداً لنيل الثقة والتحدي الذي فرضه الشارع على نفسه لمنع انعقاد الجلسة. فالناشطون والمجموعات أعلنوا بدأ معركة اسقاط حكومة الرئيس حسان دياب، التي ستبدأ في منع النواب من الوصول إلى ساحة النجمة عندما تنعقد جلسة نيل الثقة.

وكان قد سبق هذه المسيرة من أمام مقر “العمالي”، لقاء لتجمع مهنيون ومهنيات، بغية تنظيم صفوف العمال والمهنيين في نقابة للدفاع عن حقوقهم في ظل غياب “الاتحاد العمالي”، وانشغاله عن الأزمة التي تعصف بالبلد منذ اندلاع ثورة 17 تشرين. وعلى عكس المسيرات السابقة، تقصّد المتظاهرون الانطلاق من هذا المكان لرمزيته والإضاءة على أن نقابات العمال ما هي إلا نقابات سلطة، لم تحرّك ساكناً أمام فقدان معظم الموظفين والعمال وظائفهم، وتلقي أغلبهم نصف رواتبهم. واعتبر المتظاهرون في كلمة القيت أمام المقر أن الاتحاد يمثل سلطة رأس المال وليس العمال، وهتفوا لاسقاطه.

ضد وزير الطاقة
انطلق المتظاهرون على وقع هتافات “الوطن للعمال تسقط سلطة رأس المال”، تتقدمهم لافتات كبيرة كتبوا عليها “واضحة مطالبنا، اسقاط فزاعة الحرب الأهلية ونظامها السياسي”، و”واضحة مطالبنا، استقلالية القضاء وملاحقة الناهبين”. وإضافة إلى الهتافات ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “يا لبناني وينك وينك رياض سلامك مهندس دينك”، طالت الهتافات الهيئات الاقتصادية “كلن قرطة حرامية”، والحكومة الجديدة ورئيسها “ما بدنا حسان دياب جابولنا أكبر كذاب”، و”ما زبالة ما بدنا كياس بدنا حكومة متل الناس”.

أمام مؤسسة كهرباء لبنان توقف المتظاهرون وأقفلوا الطريق لأكثر من نصف ساعة وهتفوا ضد وزراء الطاقة والوزير الجديد ريمون غجر، معتبرين أنه استمرار للسياسات السابقة خصوصاً أنه كان مستشاراً لوزراء التيار الوطني الحر، الذين تعاقبوا على الوزارة منذ نحو عشر سنوات. وهتفوا “مستشارها لندى هيلا هيلا هو، من أول تصريح إلو الكهربا مش عبالو، هيلا هيلا هو”، ملمحين إلى تصريح الوزير الذي قال أنه لن يطلق الوعود بتأمين الطاقة 24 على 24، كما فعل أسلافه.

إلى جمعية المصارف
وانطلقوا من جديد باتجاه جمعية المصارف، حيث تلتقي المسيرتين القادمتين من أمام مصرف لبنان وساحة ساسين، على وقع الهتافات الداعية لرحيل رئيس الجمهورية “يالله ارحل ميشال عون”.

أمام جمعية المصارف التقت المسيرات الثلاث. ومشى المتظاهرون إلى ساحة رياض الصلح. وبدا لافتاً ضعف الزخم الشعبي في هذه التظاهرات، التي لم تشارك فيها المناطق، بل على العكس ذهب العديد من المتظاهرين في حافلات إلى طرابلس منذ الصباح، لدعم الثوار في ساحة النور. قلة أعداد المتظاهرين الذين لم يتجاوزوا الألف وخمسمئة شخص بعد أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع ثورة 17 تشرين، تؤشر على تطبّع اللبنانيين مع الاجراءات المصرفية والذل الممارس بحقهم من قبل السلطة السياسية. كما يشي بانتهاء موجة الشغب التي سيطرت على التظاهرات السابقة، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التحركات، يصعب التكهن بها قبل بدء الحكومة الجديدة العمل والسياسات التي ستعتمدها لمواجهة الانهيار الحاصل.

البيان: عمليةٌ تاريخيةٌ
وتلا المتظاهرون بياناً مشتركاً باسم جميع المجموعات المنظمة للتحركات جاء فيه: “مائةٌ وثمانية أيامٍ منذ بدء الانتفاضة الشعبية، تكشفت فيها العديد من الأمور حول حقائق النهب والسرقة، وظهرت فيها أساليب جديدة من قمع أجهزة الدولة تارةً، وترهيب أحزاب السلطة الطائفية من خلال الشبيحة والمنتفعين من الفتات تارةً أخرى. ووجهت انتفاضة الشعب اللبناني أيضاً بالكثير من التضليل الإعلامي والدعاية الكاذبة ونشر الشائعات والتخوين. والهدف استعادة الانضباط السابق لتاريخ 17 تشرين الأول وتحويلنا، مجدداً، إلى مجتمعٍ خاملٍ لا ينتقد ولا يعترض ولا يقاوم ظلم السلطة ولا يمارس العملية السياسية من موقع المعارضة الشعبية المستقلة.

ملفات فساد وفضائح سرقة كبيرة وكثيرة فُتحت وصار يعلم بها القاصي والداني. فيما يُظهر القضاء، غير المستقل، والخاضع للنفوذ السياسي، عجزاً تاماً بمواجهة السلطة، المتمثلة بتحالف المصارف ومعظم أعضاء الهيئات الاقتصادية، مع الرجعيات الطائفية المتخلفة والمجرمة المسيطرة على الحكم السياسي.

أَما في الاقتصاد، فالطبقات الوسطى تضمحل، منذ سنوات، وفقراء لبنان يزدادون فقراً، فيما يتقاذف المسؤولون عن الأزمة المالية التهم. واليوم يحاولون رمي كرة النار بين أيدي المنتفضين على الواقع الذي صنعوه هم، بسبب الاستئثار بالسلطة والثروة على مدى ثلاثين عاماً. لبنان صار غارقاً في ديونٍ أكبر من قدرته على الاحتمال، في ظل اقتصادٍ مدولرٍ غير منتج، وفسادٍ هائل، واستمرارٍ غير مسؤول لسياسات الاستدانة.

إن طبيعة النظام السياسي في لبنان قد أثبتت مناعتها ضد جميع محاولات الإصلاح البنيوي، فلا مطالب المتظاهرين أثمرت إصلاحاً، ولو جزئياً، ولا مشاريع قوانين الإصلاح التي قدمها العديد من النواب منذ عشرات السنوات لاقت قبولاً. ذلك بسبب التداخل العضوي لمصالح القوى السياسية الطائفية الحاكمة، مع القوى الاقتصادية، التي تمثل النموذج الرأسمالي الريعي، المعادي للإنتاج الصناعي والزراعي، ولمبدأ توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية.

لم يعد بإمكاننا التراجع. لم يعد خيار الثقة بالحكومات التي تشكلها هذه المنظومة البائسة وارداً. ولم يعد بإمكان الشعب اللبناني دفع تكاليف الأزمات التي تتسبب بها الطبقة المسيطرة.

نحن هنا اليوم، وكل يوم، منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين العظيمة، لنقول “لا ثقة”، و”لن ندفع الثمن”، لنؤكد بأن الثورة في لبنان ليست يوماً، ولا شهراً، ولا سنة، ولا هي مسألة أعدادٍ تتناقص حيناً وتتزايد أحياناً، بل هي عمليةٌ تاريخيةٌ تقاوم فيها الطبقات الشعبية ظلم السلطة المستبدة، والمتحكمة بالقرار والثروة، والمحددة لمصير شعبٍ كاملٍ لم يعد يمتلك رفاهية إعطاء الفُرص لمن قاموا بسرقة أحلامه وتهجيره وتجويعه وإذلاله من أجل الحقوق البديهية. الثورة في لبنان عمليةٌ طويلة الأمد ستنتج حتماً قيادتها الحقيقية المستقلة عن قوى السلطة، ومن أرض الواقع لا من الشاشات”.

المصدر المدن