كتب غسان ريفي في “سفير الشمال“: ربما يضمن الرئيس حسان دياب أن تحصل حكومته على ثقة مجلس النواب ولو بعدد قليل من الأصوات قد لا يتعدى النصف زائدا واحدا من العدد الاجمالي للنواب (65 صوتا من أصل 128)، وذلك بعد تراجع عدد ممن سموه للتكليف عن منحه الثقة، وخصوصا النائب جهاد الصمد ونواب الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين تم إستبعاد حزبهم عن التمثيل في الحكومة، لكن الأزمة الحقيقية بالنسبة لدياب ما تزال تكمن في الشارع الغاضب الذي أكد في أكثر من مناسبة أن “لا ثقة لحكومته” التي وصفها بـ”التكنومحاصصة“.
لا شك في أن الفيديو الذي ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، ويدعو الى إسقاط حكومة حسان دياب كونه لم يلتزم بالوعود التي أطلقها وتحول من “حصان طروادة السلطة الى دمية في يد السلطة” (بحسب ما يتضمنه الفيديو) يشكل مؤشرا عن تنامي نظرة الشارع السلبية الى دياب الذي برأي المحتجين شكل حكومة محاصصة سياسية من غير المستقلين وغير الاختصاصيين، وتبنى الموازنة التي دفعت اللبنانيين للنزول الى الشارع وإسقاط الحكومة التي أعدتها، وفي ذلك رسالة واضحة بأن المواجهة مع الحكومة الجديدة مستمرة وأن ذروتها ستكون في جلسة الثقة التي من المفترض أن تعقد بمجرد إقرار البيان الوزاري.
يبدو واضحا أن الشارع اللبناني يشهد عمليات كر وفر بين السلطة والحراك، فالأولى تسعى الى تطويع المحتجين وتخديرهم بالوعود، وصولا الى ترهيبهم مؤخرا من خلال التوقيفات التي حصلت، والثاني يسعى الى إرباك السلطة وتخويفها وقد ظهر ذلك جليا في جلسة مناقشة الموازنة التي إعترف الرئيس نبيه بري بأننا “عملنا السبعة ودمتها حتى جمعنا النواب”، وتم تقليص زمنها وكلماتها من يومين الى ثلاث ساعات ومن 23 كلمة الى 6 كلمات فقط، ما يشير الى أن السلطة والحراك يتبادلان تسجيل النقاط، وهو أمر يصب في مصلحة الحراك الذي يواجه باللحم الحي بينما تواجه السلطة بترسانتها الأمنية والعسكرية ومكائدها السياسية والطائفية.
يمكن القول إن الدعوة الى إعادة إحياء الحراك وترجمة ذلك يوم السبت الفائت بتظاهرات حاشدة إنطلقت في مدن ومناطق لبنانية مختلفة، وخصوصا في طرابلس التي شهدت تجمعا لبنانيا متنوعا تحت شعار “لا ثقة بحكومة دياب”، تشير الى أن المحتجين بدأوا عملية تعبئة عامة إستعدادا لجلسة الثقة بهدف تعطيلها بكل الوسائل المتاحة، وتلافي بعض الثغرات والاخطاء التي حصلت في جلسة مناقشة الموازنة، ما من شأنه أن يهدد الجلسة ويجعل الشارع على فوهة بركان نتيجة الاحتقان والغضب العارم من إستمرار السلطة في نهجها المتجاهل لمطالب الحراك.
بات معلوما أن الرئيس دياب يسعى الى تأمين إنطلاقة هادئة لحكومته من خلال مهادنة أكثرية التيارات السياسية بدءا بتبني موازنة حكومة الحريري، مرورا بالتعهد أمام الثنائي الشيعي بالانفتاح على سوريا، والتماهي التام مع التيار الوطني الحر، وإرضاء الحزب التقدمي الاشتراكي، وصولا الى التأكيد على عدم المس بأي من كبار الموظفين، لكن كل ذلك يحتاج الى إجتياز “قطوع” جلسة الثقة التي ستضع رئيس الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن يعطي توجيهاته للجيش والقوى الأمنية بالتشدد مع المتظاهرين لتأمين وصول النواب الى الجلسة، ما يؤدي الى أعمال عنف وقمع تؤدي الى تشويه صورة حكومته وتسقطها في إمتحانها الأول وتضعها أمام مساءلة المجتمع الدولي، أو أن يتم التساهل مع المتظاهرين فينجحون هذه المرة في تعطيل الجلسة ويكونوا بذلك قد حققوا إنتصارا جديدا لانتفاضة 17 تشرين الأول.