الفاجعة التي عُرفت حينها بـ”جريمة كترمايا”، والتي شغلت الرأيَ العام اللبناني وحتى المصري (كون المشتبه به من الجنسية المصرية ويعمل في البلدة) بعد تفاعلها وتسارع أحداثها. في ذاك اليوم، تعود “رنا”، والدة الطفلتين وابنة العجوزين، من المدرسة حيث تعمل معلمّة، لتجد ابنتيها “أمينة” و”زينة”، ووالديها “يوسف أبو مرعي” وزوجته “كوثر”، مضرجين بدمائهم بعدما عبث السفاح “محمد مسلم”، بأجسادهم طعناً بالسكاكين. حبكة سوداء، لا يمكن أن تحصل إلّا في أكثر سيناريوهات الدراما عنفاً وسادية ورعباً.
بدرية، ابنة شقيق العجوز المغدور، متهمة بتحريض مسلم على القتل، وقد طلب لها قاضي التحقيق في جبل لبنان محمد بدران في قراره الظني، الإعدام بتهمة تحريض القاتل على ارتكاب الجريمة مقابل وعده بتزويجه ابنتها. طلب القاضي أتى بعدما اعترفت بما حرفيته موجهة كلامها للقاتل: “شوف شو بدك تعمل تنخلص من عمي يوسف”، فرد عليها “ماذا أفعل”؟ وهنا أجابته بعبارة “أقتله”.
وبغض النظر عن تفاصيل الجريمة التي يطول شرحُها، خمس سنوات مرّت وبقيت تفاصيل الفاجعة ماثلةً في الأذهان، سنوات قضتها بدرية خلف القضبان في “سجن بعبدا للنساء” وما تزال أسيرة تللك اللحظة السوداء.
“لبنان 24” التقى بدرية في السجن وطلب منها استعادة ما جرى في ذلك اليوم من دون تبني ما جاء في الرواية التي لا تعدو كونها رأياً شخصياً لها.
لم تتردد بدرية في الحديث عندما طلبنا منها ذلك، ولم ترتاب من عدسة الكاميرا التي أدارت لها ظهرها. فكانت متحمسة جدّاً للحديث عمّا أوصلها إلى السجن حيث تتابع قضيتها “جمعية دار الأمل”، لاعتقادها ربّما، بأنّ صوتها قد يصل إلى أحد أفراد عائلتها وبناتها، التي لا تعرف عنهن شيئاً منذ تاريخ توقيفها.
لم تخف بدرية من ذكر اسمها، حتى أنها لو رفضت الإفصاح عنه، فالجريمة الكبيرة لا تقف عن قطب الأسماء وألغاز الإستعارة. خانتها الجرأة في بعض الأحيان، وفي بعض المحطات كان صوتها يعلو حيناً ويخفت أحياناً، لكنّها اتخذت قرارها بالكلام، فقالت:
“أنا بدرية أبو مرعي، متهمة بجريمة كترمايا الرباعية، أنا في السجن منذ خمس سنوات، لم أخطئ، بل ظُلمت من قبل زوجي والمصري الذي نفّذ الجريمة، لديَّ إحساس عميق بالظلم لأنهم لم يسمحوا لي الدفاع عن نفسي، نقلوني إلى هنا وانتهى الأمر”.
وتتابع: “أحد من أبناء بلدتي لم يتواصل معي، حتى أنني لا أعرف شيئاً عن أولادي وبناتي وعائلتي منذ دخولي السجن، وأنا أطلب من الله أن يظهر حق أهلي وحقي، هذا ما أطلبه، وأن تأخذ العدالة مجراها”.
عن بناتها، تقول بدرية لـ”لبنان 24“: “لا أعرف شيئاً عن بناتي، ضعنَ في هذه الدنيا، لا أعرف عنهن أيّ شيء نهائياً، أقول لأولادي اشتقت لكم. أيضاً لا أعرف عن أهل بلدتي أيّة أخبار، ومع ذلك ما زالوا يهددونني”. تتعثر قليلاً بالكلام، تتوقف ثمّ تعود لتقول: “أنا أم وخسارتي كبيرة، ظلموني وأتمنّى أن يظهر حقي وحقهم وحق أولادي، وأنا أطلب عدالة السماء قبل عدالة الأرض”.
وعن علاقتها بالمجرم، تقول بدرية: “لم يكن يربطني به أيّ شيء، تقدم لخطبة ابنتي وما في نصيب”. تضيف: “لا يمكن أن أحرق قلب أم على ولدها، أنا أم وأعرف قيمة الولد، الضحايا أهلي ولحمي ودمي، لست أنا التي تذبح أهلها، ولست أنا من حرّضَ على هذه الجريمة البشعة”.
“أنا أطلب من الله إظهار حق أهلي قبل حقي، فخسارتي كبيرة. نعم خسرت أولادي وضاعوا في الطريق، لكن خسارة أهلي لا شيء يعوضني عنها”، تقول بدرية.
تأخذ نفساً متقطعاً، تصحح وضعية جلوسهاثمّ تقول: “أتوجه إلى ابنة عمي (والدة الطفلتين المغدورتين)، وأنا لا أستطيع أن أعزيها الآن لأنني متهمة بالتحريض على قتل ابنتيها ووالديها، لكن سيأتي اليوم الذي أعزيها فيه”، وتضيف: “أقول لها، لو بدن يقطعوني كلّ قطعة على حدة، لست أنا من حرّضَ على الجريمة”. وكررت: “أنا ضحية المصري والزوج والمجتمع”.