وبانتظار هذه المواعيد يبقى الهاجس المالي والاقتصادي المسيطرة على الساحة الداخلية اللبنانية، لا سيما مع اقتراب موعد استحقاق سندات اليوروبوندز، وعلى وقع التشدد الكبير الذي تفرضه المصارف على المودعين والححديث عن اجراءات اقتصادية قاسية تتمثل في رفع سعر الـTVA الى 15% ورفع سعر صفيحة البنزين 5 الآف ليرة لبنانية.
البيان الوزاري الى مجلس الوزراء
اذاً، أنجزت حكومة دياب المسودة النهائية للبيان أمس ونقلت مصادر وثيقة الإطلاع على كواليس التحضير لإعداد البيان الوزاري أجواء “تخبط” تسود في أروقة الفريق الحكومي معطوفة على تلمّس بوادر تقاذف “كرة النار” بين وزارة المال والجهات المالية الرسمية لا سيما حاكمية مصرف لبنان حيال المسؤوليات والآليات في عملية الإنقاذ النقدي والمالي للبلاد، في وقت كشفت المصادر على المستوى الوزاري عن إشكالية حصلت خلال مرحلة إعداد مسودة البيان الوزاري وتمحورت حول تسجيل وزير الاتصالات طلال حواط استياءه من طريقة التعاطي معه من قبل الوزراء المحسوبين على “التيار الوطني الحر” بحيث فوجئ أنهم عمدوا إلى نسف الدراسة التي كان قد أعدها لوزارته الأمر الذي أثار غضبه ودفعه إلى التهديد بالانسحاب من لجنة صياغة البيان ليصار بعدها إلى استرضائه وإعادة الاعتبار لدراسته خشية تضعضع صورة التضامن الوزاري عشية نيل الحكومة الثقة.
ولفتت المصادر لـ”اللواء” الى ان هناك تشديدا على مسألتي الأصلاحات ومكافحة الفساد وكيفية وامكانية تنفيذ الأجراءات التي تحد من الهدر في عدد من القطاعات واللجوء الى لجم المصاريف التي لا لزوم لها معتبرة ان العبرة تبقى في التنفيذ.
وافادت ان هناك مواكبة للبيان الوزاري والتزاما بمسألة التهرب الضريبي وتعزيز الأجراءات التي من شأنها ضبط التهريب وفرض تطبيق القوانين.
واعتبرت المصادر ان العودة الى خطة ماكينزي مسألة مبتوت بها لكن لا بد من معرفة هامش الوقت والمتغيرات منذ اقرارها في الحكومة السابقة.
واشارت الى ان الخطط المتصلة بالكهرباء وغيرها من القطاعات هي التي قد تتأثر بفعل التطورات التي حصلت لكن الخطة القديمة لا تزال سارية المفعول وانطلاقا من البنود التي اقرت في الخطة.
والبارز ان التعميم المنتظر من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اطاحت به اعتراضات جمعية المصارف، والخلاف مع وزير المال غازي وزني، والذي عبر عنه بطريقة غير مباشرة بعد اجتماعه معه صباحاً في السراي الكبير..
والهاجس الأساسي للحكومة من ضمن اجراءاتها إعادة هيكلة الدين العام.
وكشفت مصادر وزارية لـ”اللواء” ان هكيلية الدين العام تصطدم بمعارضة قوية للمصارف.
ومن الإجراءات المؤلمة أو الموجعة عدا فرض الرسوم والضرائب، رفع ضريبة الـT.V.A إلى 15٪ وزيادة 5 آلاف ليرة على سعر صفيحة البنزين.
وخلال الاجتماعات الطويلة التي شهدتها لجنة صياغة البيان الوزاري الأسبوع الماضي وبداية هذا الأسبوع، حرص وزير المالية غازي وزني على التهرّب من نقاش الورقة المالية المقدّمة من قبله، محاولاً إسقاطها كما هي على البيان. هذا لا يعني أن استمرار نهج السياسات المالية يتحمّل مسؤوليته وزني وحده، لكن يعكس تمسّك غالبية الفرقاء السياسيين بهذا النهج، وكأن ثلاثة عقود من الفشل لم تكفِ، وأن المطلوب أن يكون الطريق إلى حلول صندوق النقد الدولي وخصخصة مقدّرات الدولة، قدراً للبنانيين.
المعلومات الآتية من داخل اللجنة الوزارية المكلّفة بصياغة البيان ليست وفيرة. لكن علمت “الأخبار” أن الوزراء ريمون غجر (الطاقة) وراوول نعمة (الاقتصاد) وزينة عكر (الدفاع) وحب الله أصرّوا على مناقشة التفاصيل المالية في ورقة وزني، وهذا ما حصل في اجتماع دام ست ساعات أمس.
وبحسب المعلومات، فإن تعديلات جذرية لم تدخل على البيان، إلّا أن اعتراض حب الله على بنود الخصخصة سمح بتعديل تلك المواد، وبدل أن تتعهّد الحكومة بالخصخصة كخيار محتوم، كما كانت الحال في النسخة المسرّبة، جرى الاتفاق على تعديل النص، واستبداله بالحديث عن دراسة إمكانية الخصخصة، تحت عنوان الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
أمرٌ آخر استدعى تعديلاً أساسياً، لا سيّما ما ورد حول إجراء انتخابات نيابية مبكرة، والتزام الحكومة بإجرائها. فالحديث عن انتخابات مبكرة لم يكن خياراً أبداً بالنسبة إلى القوى السياسية الرئيسية، لا سيّما حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، التي تعتبر أن الانتخابات النيابية الأخيرة عكست تمثيلاً أفضل من النتائج التي أتت بها كل القوانين السابقة. وبحسب المعلومات، فإن موضوع إجراء الانتخابات المبكرة تحوّل إلى العمل على تطوير قانون الانتخاب، من دون تقديم تعهّد من الحكومة بإجراء الانتخابات.
جلسة الثقة
وسط هذه الأجواء، تتجه الأنظار الى جلسة الثقة بالحكومة الجديدة، حيث رجحت مصادر عين التينة لـ”نداء الوطن” أن يحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد انعقادها الثلثاء أو الأربعاء من الأسبوع المقبل، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أنّ بري لن يحوّل الجلسة إلى تشريعية بل سيحصرها بانعقاد جلسة الثقة نظراً لكونه ينتظر إقرار عدد من المشاريع في اللجان المشتركة، كما أنه يترقب إنجاز مشروع “استقلالية القضاء” في لجنة الإدارة والعدل التي ستعقد جلسة لها اليوم، تمهيداً للتأسيس لانعقاد جلسة تشريعية بجدول أعمال “دسم”.
وبحسب “اللواء” فان الجلسة ستكون صاخبة، سواء من حيث الحضور، حيث قررت معظم الكتل النيابية الكبيرة، سواء الموالية أو المعارضة، حضور الجلسة، أو لناحية النقاشات قبل التصويت على الثقة، والتي لن تتجاوز نصف عدد النواب، ولكن كل هذه التوقعات، ستكون رهن “الكباش” الذي سيكون الشارع ميدانه الأساسي بين الحراك الشعبي الذي يرفض إعطاء الثقة للحكومة، ولا يرى فيها سوى حكومة محاصصة، من جهة، وبين السلطة من جهة ثانية، والتي يفترض فيها تأمين كل المستلزمات الأمنية واللوجستية لانعقاد الجلسة في البرلمان، ووصول النواب بطريقة آمنة إليها، وهي مهمة لا تبدو سهلة، في ظل إصرار الحراك المنتفض على منع عقد الجلسة، مهما كان الثمن، وان كان الحشد الذي يفترض به ان يؤمنه بدوره، هو الامتحان، حيث يكرم المرء أو يهان، بعدما لم يتمكن الحراك من منع جلسة الموازنة، بسبب التجمعات الصغيرة التي وقفت عند مداخل المنطقة المحظور التجول فيها، من دون ان تستطيع ان تفعل شيئاً سوى مشاكسة القوى الأمنية، فيما كان النواب “ينسلون” إلى الجلسة في أمان.
استحقاق “اليوروبوندز”
وفي موازاة هذا الملف الخطير، أبلغت مصادر مطلعة على اجواء المشاورات المالية “النهار” ان موضوع استحقاقات “الاوروبوندز” لسنة 2020 والبالغة قيمتها 2,3 ملياري دولار كأول استحقاق لها في آذار المقبل بقيمة مليار و200 مليون دولار تتقدم الاهتمامات الحكومية وأن التأخير في بت هذا الموضوع واتخاذ القرار في شأنه يعود الى عدم توصل الافرقاء المعنيين في الحكومة الى التوافق على الخيار الواجب اعتماده. وعلم ان هناك خيارين يتنازعان أهل السلطة، وتحديداً فريق رئيس الجمهورية وفريق رئيس الوزراء ، اذ يرى الفريق الاول اعتماد خيار عدم دفع استحقاقات الدين المصدرة بسندات، والذهاب الى عملية اعادة هيكلته من خلال خطة منظمة، واللجوء الى صندوق النقد الدولي طلبا لبرنامج. أما الفريق الثاني، فيرى بأن يدفع المصرف المركزي استحقاقات 2020 من احتياطه بالعملات الاجنبية، على ان يطلب من المصارف الاكتتاب بسندات جديدة تصدرها وزارة المال من فارق الاموال التي سددها لها، باعتبار ان هناك نحو 1,3 مليار دولار تستحق لحملة سندات اجانب. وتعكف الاجتماعات المالية المتتالية على درس هذه الايجابيات والسلبيات من أجل ان يأتي القرار بأقل الاضرار الممكنة على المالية العامة وعلى سمعة لبنان المالية.
وفي هذا الاطار، آثرت حكومة حسان دياب “استرضاء الخارج واستغباء الداخل” في القرار الذي اتخذته اللجنة الاقتصادية خلال وكشفت المصادر لـ”نداء الوطن” بأن تسدد الدولة اللبنانية الاستحقاقات المالية المقبلة عليها وتحديداً سندات اليوروبوندز التي ستستحق تباعاً في أشهر آذار ونيسان وحزيران 2020 بقيمة إجمالية تبلغ مليارين ونصف المليار دولار.
وأوضحت المصادر أنّ المجتمعين وبعد استعراض الأفكار المطروحة حيال هذا الموضوع ومن بينها الرأي القائل بطلب تأجيل موعد السداد، قرروا في نهاية المطاف الإلتزام بتواريخ الاستحقاقات الخارجية “لكي لا تدمغ صورة لبنان بصبغة البلد المفلس بشكل ينعكس سلباً على أي مشاريع تعاون دولية مستقبلية في حال التخلّف عن السداد”.
لغم الكهرباء
الى ذلك، علمت “النهار” ان مجموعة من الوزراء، عارضت في خلال اجتماع لجنة البيان الوزاري، خطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري معتبرين انها الخطة التي وضعها الوزير السابق جبران باسيل. وأعلن وزراء خلال مناقشات لجنة البيان الوزاري انهم يعارضون هذه الخطة خصوصا انه سبق لفرنسا راعية مؤتمر “سيدر” ان حذرت مرات عدة من ان عدم تحقيق اصلاحات حقيقية في قطاع الكهرباء سيهدد مقررات “سيدر”. وتشير جهات معارضة للحكومة في هذا الصدد الى ان البيان الوزاري يتضمن نقاطا ذكية، ولكن موضوع الكهرباء يشكل احد الالغام الاساسية فيه.