وبعيدا عن تشريح البيان الوزاري بالتفصيل لا بدّ من التذكير أنه من حيث المبدأ فإن الصياغة والأهداف مقارنة مع البيانات الوزارية السابقة تأتي في السياق نفسه، من حيث التوصيف للمشاكل القائمة، وهي متشابهة إلى حدّ ما، وكذلك الحلول المقترحة، بإستثناء ما جاء في مقدمة البيان لجهة توصيف الوضع بعد مرحلة 17 اكتوبر، وقد جاء فيها إعتراف واضح “بأننا وأنتم (النواب) نلقى اعتراضاً شعبياً لا تنفع المكابرة في التعاطي معه. فالنّاس يشكّكون بشرعيتنا جميعاً”، و” أنّ العديد من مطالب الحراك، هي ليست فقط محّقة، بل هي في صلب خطتها”.
ومن بين الملاحظات التي يمكن تسجيلها على مسودة البيان الوزاري أنه قسّم عمل الحكومة في المجال الإصلاحي إلى ثلاث مراحل:
-القسم الأول يبدأ منذ لحظة نيل الحكومة الثقة حتى المئة يوم الأولى.
-القسم الثاني يمتد حتى السنة الأولى من عمر الحكومة.
– القسم الثالث يصل مداه إلى ثلاث سنوات.
في القسم الأول يتعهد البيان بإنجاز الأمور التالية:
– إنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء والتنظيم القضائي.
– حث مجلس القضاء الأعلى على التسريع في إنجاز مشروع التعيينات والتشكيلات القضائية، مع التزامنا بعدم التّدخل في مسار هذه التعيينات والمناقلات وإصرارنا على أن تراعي معايير الشفافية والكفاءة والنزاهة والانتاجية وليس المحابات والمحاصصة.
– إعداد مشروع قانون بتعديل معالجة مخالفات الأملاك البحرية الوارد في قانون موازنة العام 2018 (القانون رقم 79) وإدخال التّعديلات اللازمة عليه ويتضمن في ما يتضمن رفع الرسوم المنصوص عنها في هذا القانون.
-إقرار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والإسراع بتنفيذها وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الحق بالوصول إلى المعلومات.
-حثّ النّيابات العامّة المختصّة على تحريك وملاحقة الملفّات التي تعتريها شبهة فساد وسائر الجرائم المالية والجرائم البيئية.
-متابعة التحقيقات واتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص الاموال التي حولت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأوّل 2019 خلافاً للقانون.
-تعزيز دور ديوان المحاسبة في المراقبة المسبقة واللاحقة وهيئة التفتيش المركزي للقيام بدورهما وواجبهما وفقاً للقانون.
-إنجاز و/أو تعديل مشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في القطاعين العام والخاص وبصورة خاصة، الإثراء غير المشروع، حماية ومكافأة كاشفي الفساد، رفع السرية المصرفية ورفع الحصانات عن كل من يتولّى الوظيفة العامة.
في القسم الثاني يتعهد البيان بخطة عمل خلال سنة من تاريخ نيل الثقة بالأمور التالية:
– تتعاون الحكومة مع المجلس النيابي من أجل التّسريع في إقرار القوانين التي تحمي المرأة وتصون حقوقها وتعزز دورها في العمل السياسي، ولا سيّما القوانين المتعلقة بالعنف الأسري والـ«كوتا» النسائية.
– إقرار مبدئية حق الأم اللبنانية بمنح الجنسية لأولادها مع إيجاد آليات رقابة قضائية نظراً لأوضاع البلاد الخاصة.
-تطبيق قرار مجلس الوزراء المتعلق بقرار مجلس الامن رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن.
– إقرار مشاريع القوانين التي تواكب القطاع الثّقافي لا سيّما مشروع قانون حماية الأبنية والمواقع التراثية ومشروع قانون الإيداع القانوني.
أما في القسم الثالث فيتعهد البيان بخطة عمل من سنة الى 3 سنوات تاريخ نيل الثقة، وفيه:
– إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين بما يضمن فعلياً الحريّات والحقوق الأساسية للإنسان ويحقق المساواة بين المرأة والرجل ويحمي الفئات المهمشة، ويسرع المحاكمات ويُعزّز مناخات الاستثمار.
– وضع مخطط توجيهي لتحسين حالة السجون وأوضاع السجناء وتخفيف الاكتظاظ وانشاء سجون جديدة بعد تأمين التمويل اللّازم.
– وضع خطة شاملة لتطوير قصور العدل والعمل على تأمين الإعتمادات اللّازمة لذلك.
-استرداد الأموال المنهوبة من خلال:
أ – إقرار مشروع قانون يكافئ من يساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام الذي يتبيّن أنّه اكتُسب بشكل غير شرعي ليصار بالنتيجة الى استرداده بما في ذلك ما تمّ تهريبه الى الخارج لا سيّما عبر المصارف.
بـ – السّعي للكشف عن الأموال المنهوبة عبر الجّهات القضائية والاستعانة عند الاقتضاء بمؤسسات متخصصة للكشف عن الأموال “المنهوبة”.
-مراجعة المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يسهل منح الاذونات بمراجعة الموظفين في القطاع العام
بناء على ما تقدّم يمكن إبداء الملاحظات التالية:
– أولًا، أن الحكومة تتحدّث في بيانها عن خطة تمتد إلى ثلاث سنوات، مما يعني أنها مطمئنة إلى أنها باقية حتى نهاية العهد، وهي تبدو واثقة من أن لا احد من السياسيين سيلجأ إلى تغييرها في الظرف الراهن، وهذا يعني أن التسوية الرئاسية طويت إلى غير رجعة.
– ثانيًأ، أن حكومة دياب لم تأخذ في بيانها الوزاري في الإعتبار أن السياسة في لبنان متحركة، وذلك وفق ما تمليه الظروف الإقليمية من مفاجآت ومتغييرات، خصوصًا أن “صفقة القرن” قد تعيد خلط الأوراق من جديد.
– ثالثًا، ومن خلال التجربة يتبيّن أن البيانات الوزارية لم ينفذّ منها شيء وبقيت حبرًا على ورق، وهذا ما يقود إلى الإستنتاج الطبيعي والقول “إقرأ تفرح جرّب تحزن”.