البيان الوزاري.. تبسيط المشاكل من دون حلول

4 فبراير 2020آخر تحديث :
البيان الوزاري.. تبسيط المشاكل من دون حلول

آتت ردود الفعل على مسودة البيان الوزاري التي سربت عمدا، بمعظمها سلبية على رغم اعتراف البعض بنقاط إيجابية تضمنها البيان، الذي بحسب الحراك الشعبي وما انبثق عنه من مجموعات مختصة بالشق الاقتصادي، لا يحاكي تحدّيات المرحلة، فهو ابرز دعم المصارف وركز على الخصخصة بذريعة خفض الدين والعجز في ميزان المدفوعات وكلفة القطاع العام واستنسخ المثير من الورقة الاقتصادية التي أعلنها الرئيس سعد الحريري قبل اعلان استقالته.

البيان الوزاري المؤلف من سبع عشرة صفحة حتى الساعة، حمل في طياته مقاربة جديدة في الشكل حيث تمّ تقسيمه إلى محاور مع تعهدات على فترات زمنية ،هذا الأمر يجعله سهل المتابعة لاحقًا لمعرفة إذا ما كانت الحكومة ستلتزم أمّ لا، علما أن الإجراءات الملحة والضرورية رحلت إلى فترة الثلاث سنوات، وهذا يطرح الكثير من التساؤلات، خاصة وأن عمر هذه الحكومة  لن يكون أكثر من ستة أشهر بحسب المعنيين.

الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، وفي معرض تعليقه على البيان الوزاري لـ “لبنان 24” قال “هذا البيان تفاؤلي جدا ويبسّط مُشكلتين أساسييتن من دون طروحات فعّالة: مالية الدولة والشق الإجتماعي. فالشق المالي والذي يتطلّب إصلاحات يحتاج إلى قرار ثوري يخفّض الإنفاق بشكلٍ ملحوظ ويرفع الإيرادات بشكلّ كبير. وهذا ما لا نجده في البيان. أمّا إجتماعيا، فلم يلحظ البيان كيفية مواجهة المرحلة المقبلة على رغم  حديثه عن المفاوضات مع جهات دولية لفتح اعتمادات لاستيراد السلع والبضائع وتعزيز الحماية الإجتماعية”.

أما في ما يخص الإلتزام الذي تقوم به الحكومة في ملف الكهرباء، فإن التخفيض في الإعتمادات لمؤسسة كهرباء لبنان، بحسب عجاقة، لا يتماشى والمشاكل المالية للدولة اللبنانية. فكيف لنا أن نستمر بدفع مليار دولار أميركي أو أكثر لمؤسسة نعرف جيدًا أنها غير فعّالة. لماذا لا نقوم بتسريع الخطّة بشكل كبير و ربح الوقت ولماذا لا نطلب من القطاع الخاص إقتراح حلول للمرحلة المؤقّتة؟”.

ويقول عجاقة “من الملاحظ أن البيان الوزاري في طرحه للحلول المالية يعتمد سياسة قريبة جدًا مما طرحته حكومة الرئيس سعد الحريري، أي الاعتماد على القطاع المصرفي وعلى مصرف لبنان لمواجهة التحدّيات المالية وهو الخيار الأسهل للتطبيقَ!”.

الجدير الذكر، أن البيان الوزاري يقترح تخفيض الفوائد بكشل هيكلي يسمح بخفض خدمة الدين العام بشكل كبير، على أن يحمل مصرف لبنان نصف هذه الخدمة. وإذا كان هذا الحلّ منطقيا بعد القيود التي فرضتها المصارف على حركة رؤوس الأموال، إلا أن مشكلة دفع المُستحقات من الدين العام تبقى ، وفق عجاقة، مُشكلة حقيقية لم يعرض البيان الوزاري حلًا لها.

على هذا الصعيد يقول عجاقة “تمويل الإستحقاقات يمرّ من خلال محاربة الفساد الذي يطال الحياة الإقتصادية والمالية في القطاعين العام والخاص في لبنان. فمكافحة الفساد يجب أن تنعكس خفضا للإنفاق العام وارتفاع للإيرادات، وهذا الربط لم يتمّ داخل البيان الوزاري علّ الحكومة تقوم به في مرحلة لاحقة”.

ويرى عجاقة أن “الإستفاضة في الحديث عن إستعادة الأموال المنهوبة هو أمر إيجابي جدًا في البيان الوزاري ويُحاكي هواجس الإحتجاجات الشعبية، إلا أن غياب الحديث عن قطوعات الحساب هو أمر مؤسف نظرًا إلى أن الأموال المنهوبة تمّ أخذها من المال العام، والذي من المفروض أن يكون له أثار في الموازنات العامّة وهو أمر لا يُمكن كشفه إلا من خلال قطوعات الحساب”.

على الصعيد الإجتماعي وعلى رغم تبنّي الحكومة لمبدأ الحماية الإجتماعية التي تُظهر السلوك السليم لأي حكومة في العالم تجاه شعبها، إلا أنها، كما يقول عجاقة، لم تنجح في طرح حل لمواجهة التعقيدات الناتجة عن الحصار الدولي غير المُعلن على لبنان، والذي قد يأخذ أبعادًا سيئة في المرحلة المقبلة خصوصا مع رفض لبنان لصفقة القرن، خاصة  بعد تسريب   زوار واشنطن كلاما مفاده أن على لبنان الوقوف على الحياد في موضوع صفقة القرن لأن العكس يعني أن لبنان سيُصبح هدفا للعقوبات الأميركية وهو ما قدّ يُترّجم بسيناريو عزل على الطريقة الفنزويلية.

وهنا يرى عجاقة أن “التحدّي الأكبر للحكومة يبقى على الصعيد السياسي، حيث أن الملفات المطروحة أمامها هي ملفات في غاية التعقيد وعلى رأسها فكّ عزلة لبنان من الحصار الدولي غير المُعلن. وبالتالي نرى أن هناك إلزامية للتواصل بين الحكومة والمُجتمع الدولي بشكل مكثّف يسمح بالخروج بمجموعة من الحلول المقبولة من دون التخلّي عن القرار السيادي اللبناني أو اخضاعه”.

وكانت اللجنة المولجة القيام بتحضير البيان الوزاري قد قامت في اجتماعها أمس بعدد من التعديلات على المسودّة التي تمّ تسريبها للإعلام، وبالتالي سيأخذ هذا البيان طريقه إلى مجلس الوزراء لإقراره قبل إرساله إلى المجلس النيابي حيث من المُتوقّع أن تنال الحكومة الثقة على أساس هذا البيان الوزاري.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.