فرنسا تعبّد الطريق بين التشدد الأميركي وهدوء حزب الله

شروط أميركا: أمن إسرائيل، ترسيم الحدود، النفط

5 فبراير 2020
فرنسا تعبّد الطريق بين التشدد الأميركي وهدوء حزب الله
منير الربيع
منير الربيع

لا يزال التباين الأميركي الفرنسي حيال النظرة إلى الوضع اللبناني مستمراً. لكن العمل مستمر لأجل تقليص الفجوة. فباريس مصرّة على منح فرصة للحكومة، والتعاطي معها بواقعية، لمعرفة خيرها من شرّها. وما يمكن أن تقدّمه. والموقف الفرنسي هذا يرتبط بسياسات فرنسية تقليدية تجاه لبنان، وهي الاهتمام به واستمرارها كلاعبة لدور مؤثر فيه. خيارها دائماً دعم عهد ميشال عون، بمعزل عن وجود الحريري في السلطة أو عدمه، وحلول حسان دياب مكانه. حسابات باريس تختلف عن حسابات واشنطن. فما يهم الولايات المتحدة الأميركية هو تقديم أي سلطة بغض النظر عن رجالها التنازلات المطلوبة منها، لترتيب العلاقة وفتح كوة في جدار “الحصار المفروض على البلد”.

بين هيل وشينكر
وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن الإدارة الأميركية تشهد نقاشات متعددة، ومقاربات مختلفة لكيفية إدارة الملف اللبناني. فمع الزيارة التي أجراها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل إلى لبنان، حدث تزامناً تمرير تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة. هناك رأي آخر في الخارجية الأميركية صاحبه ديفيد شينكر، يبدو متصلباً ومتشدداً في معارضته لهذه الحكومة وتركيبتها، ويضغط بكل الاتجاهات لمنع حصولها على أي دعم أو مساعدة، باستثناء استمرار تقديم المساعدات للجيش اللبناني.

شينكر قد يزور لبنان في الفترة المقبلة، حاملاً لهجة تصعيدية وتحذيرية. لكنه أيضاً يريد من خلال جولته، واللقاءات التي سيعقدها، استمزاج آراء مختلف المسؤولين حول إمكانية العودة إلى مبادرة عملية ترسيم الحدود، بوساطة أميركية، لتتجدد المفاوضات من حيث توقفت. وعلى الأساس الذي تسلكه هذه المفاوضات، يتحدد الموقف الأميركي أكثر. وقد مرر شينكر خلال زيارته إلى اسرائيل إشارات متعددة تجاه لبنان. سواء لجهة إشارته إلى الوضع الاقتصادي السيء، وتوقع المزيد من التدهور، وقال إن الوضع سيكون أصعب بكثير مما يظن البعض، وأضاف أن الاحتياطات الأجنبية أقل بكثير مما تم الإبلاغ عنه. وكأن الرجل يتهم بعض المرجعيات اللبنانية بالكذب، ويُفهِم اللبنانيين أن وضعهم سيسوء أكثر.

النقاط الثلاث.. دوماً
بعض الرسائل الأميركية التي تلقاها مسؤولون لبنانيون من المخاصمين لواشنطن، تفيد أن الولايات المتحدة الأميركية لا يعنيها من يكون على رأس السلطة في لبنان، المهم بالنسبة إليها، هو ما يقدّمه في سبيل المصالح المشتركة بين البلدين. وهذه طبعاً تحت سقف ثلاث نقاط أساسية: تأمين أمن إسرائيل، ترسيم الحدود بشكل يضمن الاستقرار ويكرس اتفاقاً نهائياً، يكون مقدمة للتنقيب عن النفط. من يقدم على تنفيذ أي اتفاق يرتبط بهذه النقاط، يمكنه الوصول إلى صيغة تعاون مع واشنطن. يعني ذلك، أنه إذا ما تمكنت هذه الحكومة الحالية من تقديم ما يلزم بخصوص هذه النقاط والوصول إلى اتفاقات، عندها لن يكون لأميركا أي مشكلة معها. وهذا ما تحاول فرنسا العمل على تحقيقه في المرحلة المقبلة.

ربطاً بهذه الملفات جاءت زيارة السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتناولت معه مختلف التطورات، ومن ضمنها آلية عمل الحكومة الجديدة، خصوصاً في ضوء رسائل غير مباشرة بين واشنطن وخصومها، لتثبيت الاستقرار والحفاظ عليه في لبنان، وإمكانية إعادة تفعيل مبادرة ترسيم الحدود. النقاش الجدي سيبدأ بعد نيل الحكومة الثقة. وعندها قد يزور شينكر لبنان للوقوف على رأي المسؤولين اللبنانيين من ملفات متعددة.

هدوء حزب الله
في المقابل، تستشف واشنطن هدوءاً لدى حزب الله تجاهها، وخفوت وهج التصعيد الذي أطلقه قادة الحزب بعد اغتيال قاسم سليماني، مقابل تركيزهم بشكل مباشر وغير مباشر على ضرورة انطلاق عمل الحكومة والاهتمام بالملف الداخلي، على حساب كل الملفات الخارجية، لتجنّب أي إجراءات أخرى. وهذا ما يدفع الحزب إلى التهدئة خارجياً، وتقديم ضمانات لخصومه السياسيين، بعدم الانتقام ممن كان الحزب يتوعدهم في مرحلة سابقة، بوصفهم محسوبين على واشنطن. حتى أن لهجة تطبيع العلاقة مع سوريا وإعادة العلاقات معها، ستتراجع حالياً بشكل عملي، تجنباً لأي استفزازات.

المصدر المدن