يحذو الرئيس حسان دياب حذو الكبار. في مشروع بيانه الوزاري المفترض، تشديد على خطط عمل مرحلية، أبرزها تلك الإصلاحية “في فترة لا تزيد عن 100 يوم”. لماذا مئة يوم، وليس ثلاثة أشهر؟ أو ستين يوماً مثلاً؟ لماذا حصر الخطط المرحلية بزمن محدد وسهل للحفظ؟ 100 يوم؟
لأنّ دياب رجل سياسي من عيار الرؤساء الأميركيين. تقليد المئة يوم، الذي أطلقه فرانكلين روزفلت عام 1933، (The New Deal) يكشف نية الرئيس وقيادته ونفوذه وأسلوب عمله. وهكذا حال دياب أيضاً. يريد إثبات أنه قادر، مثل روزفلت، على ترؤس بلد منهار اقتصادياً والصعود به إلى النجوم. مع دياب، “نيو ديل” روزفلتوي يتجسّد ببيان وزاري من 17 صفحة فيه الكثير من المشاريع والخطط والإصلاحات. فيه ما يكفي من الكلام المعسول عن المحاسبة والقضاء وإعادة الهيكلة. يعدنا بأنّ “الكساد الكبير” الحاصل في طريقه إلى الحل، على مراحل، بعد 100 يوم، بعد سنة، بعد ثلاث سنوات. وبهذا الأسلوب يطلب من البرلمان منحه الثقة، ومن اللبنانيين منحه فرصة للإنقاذ من الانهيار.
لكن، وكأنه يغفل على رئيسنا الروزفلتوي العتيد أنّه في هذه المئة يوم المقبلة استحقاقات مالية على دولتنا مواجهتها. فبين آذار وحزيران علينا كلبنانيين تسديد 2.5 مليار دولار من سندات اليوروبوند. ومعها 2.7 مليار دولار أخرى للفوائد على الدين العام. أي أكثر من خمسة مليارات دولار في المئة اليوم الأولى. هذا عدا المستحقات والاعتمادات اللازمة الأخرى لاستيراد القمح والأدوية والمحروقات. لكن في الـ”نيو ديل” المستجد حل لكل هذا. هذا ما تقوله مسوّدة البيان الوزاري، من خلال القروض الدولية الميسّرة وطلب المساعدة المالية نتيجة عبء اللجوء (في المسودة “نزوح”) السوري. نمط مستمر في استجداء “المرابين” حول العالم على شكل جهات مانحة أو داعمة، بكلفة المزيد من الدين والفوائد؛ وكلفة شراء الوقت قبل إعلان الإفلاس الكبير المحتّم، الإفلاس السياسي قبل المالي حتى.
وعلى ما يبدو، فإنّ رئيسنا الروزفلتوي لا يرى، على الرغم من حرصه على تبنّي ثورة اللبنانيين ومطالبهم، أن الناس تتصارع مع المصارف يومياً من أجل 100 دولار. يا للصدف! صدفة أرقام جميلة، فرصة مئة يوم لحكومة مصارف المئة الدولار. حتى هذه الورقة الخضراء الأسبوعية اليتيمة، مهددة بالانقراض من جيوبنا أيضاً. وكذلك المواد الغذائية والتموينية التي باتت مفقودة من المحال في بعض المناطق. وعند وجودها في بيروت وغيرها، فأسعارها غير مقدور عليها. لكن لا داعي إلى الجزع لأنّ في البيان الوزاري فقرة خاصة بـ”تقوية شبكات الأمان الاجتماعية”، أسوة بكل البيانات الوزارية السابقة التي فيها ما يكفي من كلام ووعود بالإنماء والتنمية والتوازن وتعزيز الثقة وغيرها.
لكن الرئيس حسان دياب كلّه ثقة بقدرته على معالجة الأزمة وإصلاحه ما سبق أن أفسدته القوى التي عيّنته رئيساً، وتلك التي ستمنحه الثقة ومعها الأحزاب والكتل التي ستؤمن النصاب لهذه الجلسة. كلّه ثقة بأنه قادر على إعادة الثقة. عودة الثقة تبدأ بغضون مئة يوم. فيها مدخل للحل، وما علينا إلا الصبر.
ربما، أيضاً، يغفل على رئيسنا الروزفلتوي أنّ الـ”مئة يوم” عنوان للهزيمة، في التاريخ والجغرافيا والسياسة. نظراً لأنجلوساكسونيته على الأرجح، غاب عن ذهنه أنّ “مئة يوم” تعني سقوط نابوليون بعد عودته الثورية من المنفى للاستيلاء على الحكم. أم أنّ نابوليون قدوة رئيس آخر يحكمنا؟ هل نصبر؟ سبق أن صدر وعد رئاسي عن بعبدا في 31 أكتوبر الماضي، بأنّ “لبنان سيدخل نادي الدول المنتجة للنفط بغضون شهرين”. لا داعي للقول إنّ ذلك لم يتحقق، وإنّ الوضع يسير إلى الأسوأ.
عليه، نحن موعودون بمئة يوم من الجوع والفوضى في الانهيار الذي نعيشه. 100 يوم سيضافون إلى 111 يوماً مرّت على الثورة، إذا قرّر الناس الانصياع إلى طلب الفرصة وانتظار وعود روزفلتنا اللبناني. وإلا فعلينا إسقاطه اليوم قبل الغد.