الهاجس المالي يسيطر على البيان الوزاري… خطة جهنمية للاقتصاد وصلاحيات الحاكم تدرس

6 فبراير 2020
الهاجس المالي يسيطر على البيان الوزاري… خطة جهنمية للاقتصاد وصلاحيات الحاكم تدرس

بات الملف المصرفي والمالي الهاجس الاكبر الذي يرخي باثقاله على مجمل الواقع الداخلي والذي يتوقع ان تكبر تداعياته وتتضخم يوماً بعد يوم في ظل تصاعد النقمة الشعبية وتفاقمها حيال الاجراءات المتشددة والتعسفية للمصارف في معاملات التحويل واستنسابية تحديد السقوف والمهل الزمنية وما الى ذلك من اجراءات اخرى.
وعلى الرغم من ان البيان الوزاري يسلك اليوم طريق ساحة النجمة، الاّ ان الأزمة المالية خطفت الأنظار، لا سيما بعد الكلام الخطير الذي أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، عقب اجتماع الأربعاء النيابي، والذي تمثل برسالة مزدوجة وجهها ان لناحية تظهير أولوية التحقيق في الاموال المحولة الى الخارج بعد انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، او لناحية لغم ملف الكهرباء في البيان الوزاري. وما كان لموقف بري ان يقفز الى واجهة المشهد السياسي والحكومي لولا توقيته الحساس من جهة ومضمونه الذي يحمل دلالات قوية خصوصا من حيث اتهام مصارف بتحويلات مالية الى الخارج في زمن انفجار الكارثة المالية والمصرفية ولو لم تتم تسمية هذه المصارف بحيث رسم هذا الموقف، الى سواه من المؤشرات الداخلية والخارجية التي تغلف مرحلة انتظار البيان الوزاري ومثول الحكومة أمام مجلس النواب في جلسة الثقة، مزيداً من الالتباس والشكوك والتساؤلات حول الفرصة الواقعية للحكومة الجديدة لتتمكن من الاقلاع نحو اصعب المهمات واكثرها تعقيدا التي عرفتها حكومة لبنانية من قبل.

خطة جهنمية لانقاذ المال
وسط هذه الأجواء، كشفت أوساط متابعة للملف المصرفي لـ”نداء الوطن”، أنّ أصحاب المال والنفوذ في البلد يعملون على إعداد “خطة جهنمية” تبدو في ظاهرها محاكاةً لطلب إعادة تعويم الملاءة النقدية في البلاد عبر استرجاع الأموال التي سبق أن أخرجتها المصارف من لبنان وأودعتها في حساباتها الخارجية، لكن في جوهر الخطة ثمة “قطبة مخفية” يتمحور حولها السبب الحقيقي وراء الرغبة بإعادة مليارات الدولارت إلى حسابات داخلية، وهو أنه بعدما تسلّطت الأضواء على هذه الأموال وتم وضعها تحت المجهر الدولي أصبحت بالتالي عرضةً لإجراءات قانونية من قبيل فرض الحجز الاحتياطي عليها لصالح المودعين في حال تدحرج حجر الدعاوى القضائية ضد أصحاب المصارف لتسلك طريقها نحو المحاكم الدولية.

ومن هنا، تشير المعلومات إلى أنّ المصارف ومن باب تدارك هذا الخطر، سارع القيّمون عليها إلى وضع خطة تقضي بالحصول على “شبكة وعود وضمانات” تشمل المصرف المركزي والسلطتين التشريعية والتنفيذية لقوننة منع المساس بالأموال المستعادة إلى لبنان وعدم تقييد حركتها بما في ذلك إبقاء الباب مفتوحاً على إمكانية إعادة إخراجها من البلد في حال اقتضت مصلحة أصحاب المصارف ذلك… وهو ما سيصار إلى تغطيته تحت عنوان عريض: “تشجيع المستثمرين على ضخ السيولة في لبنان”.

رياض سلامة وكتاب توسيع الصلاحيات
أما في جديد التطورات المتعلقة بطلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منح المصرف المركزي “صلاحيات استثنائية موقتة”، فأوضحت مصادر معنيّة لـ”نداء الوطن” أنّ هذا الطلب الذي ضمّنه سلامة كتابه بهذا الصدد إلى رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني “دونه عقبات جوهرية ومن الصعب أن يسلك طريقه إلى التطبيق”، ولفتت في هذا السياق إلى وجود “لوبي نيابي” يعمل على التصدي لمنح سلامة أي صلاحيات استثنائية، مشيرةً إلى أنّ “لجنة الإدارة والعدل النيابية عقدت اجتماعاً مطولاً الثلثاء بحضور وزير المال السابق علي حسن خليل، وتم خلاله التداول في كتاب سلامة الذي كان قد أرسله أيضاً في 11 كانون الثاني الفائت إلى خليل طالباً منحه صلاحيات استثنائية لإدارة الأزمة”، وكشفت المصادر أنه “في محصلة النقاش أبدى أغلبية أعضاء اللجنة النيابية رفضهم القاطع لإعطاء حاكم المصرف المركزي أي صلاحيات استثنائية على اعتبار أنّ سياسته المالية والمصرفية هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من تأزّم اليوم”.

ورداً على الكتاب الذي تسلّمه دياب من سلامة بهذا الخصوص، نقلت المصادر عن أعضاء لجنة الإدارة والعدل تأكيدهم خلال الاجتماع أنّ “الحكومة لا يمكنها أن تعطي صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان وفق البنود التي طالب بها بل تحتاج حكماً إلى تشريع قانوني من مجلس النواب”، فكان تشديد في المقابل على أنّ “لجنة الإدارة والعدل لن تسير بأي تشريع في هذا الإطار بل المطلوب من الحكومة نفسها أن تقدّم سياسة نقدية شاملة مع برنامج زمني تلتزم به، وعندها إذا كان التشريع يدعم الخطة فلن يتأخر مجلس النواب في إقرار القوانين اللازمة إذا دعت الحاجة الوطنية، ولكن على أن يكون ذلك محكوماً بإطار زمني محدّد وأن يأخذ أي تشريع بعين الاعتبار أولوية مصلحة المودعين، لا سيما الصغار منهم بشكل لا يفتح أي مجال للمسّ بودائعهم”.
وفي سياق متصل، استبعدت مصادر مصرفية ان يكون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في صدد احياء اقتراحه الذي سبق تشكيل الحكومة بطلب صلاحيات استثنائية لإصدار تعميم يشرع فيه التدابير المصرفية الخاصة بنوعية السحوبات وسقوفها، خصوصاً بعدما لجأت المصارف إلى تطويق هذا التعميم بالاجراءات القاسية التي اعلنتها وقضت بخفض سحوبات الودائع إلى النصف، مرّة واحدة كل أسبوعين، رداً عى اتجاه البنك المركزي إلى رفع هذه السحوبات، واعتماد سعر واحد للدولار لدى الصيارفة والمصارف.

ورأت هذه المصادر ان “ما هو متداول الآن دعوة الحكومة ومجلس النواب إلى تحمل مسؤولياتهما الدستورية في هذا المجال من خلال إصدار قانون وفق الآليات الدستورية، يعمد الحاكم في ضوئه، وفق صلاحياته، إلى وضع مضمون القانون في صيغة تعميم تنفيذي.

ورفضت المصادر رمي الكرة في ملعب مصرف لبنان والمصارف كما درجت العادة، معتبرة ان المشكلة في أساسها مسؤولية الحكومة ومجلس النواب اللذين اصدرا الموازنة بما فيها من عجز واقرا قوانين الاستدانة التي نفذها مصرف لبنان ضمن الإمكانات المتاحة.”

البيان الوزاري

في سياق آخر، افادت مصادر وزارية لـ”اللواء” ان البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب سيخضع اليوم لنقاش داخل مجلس الوزراء مشيرة الى ان لا تعديلات جوهرية متوقعة لكن هناك من الوزراء الذين لم يكونوا ضمن عداد لجنة صوغ البيان سيعرضون رأيهم مع العلم ان الوزراء اعضاء اللجنة قدموا ملاحظاتهم التي تمت اضافتها الى البيان الوزاري.

واشارت المصادر الى ان لا توقعات بأي تباين داخل مجلس الوزراء حول النقاط الأساسية للبيان الذي علم ان صيغته النهائية اخذت بالاعتبار توجهات الحكومة في قضايا الأقتصاد والسياسة.

ولوحظ ان عددا من الوزراء تجنب الحديث عن التعديلات المتوقعة وكان اجماع على ان هناك نقاشات ستتم وربما تكون هناك اقتراحات وصيغ.

ورأت ان بعض التفاصيل تتطلب الآجابة عليها لناحية كيفية تطبيق ملف الأصلاحات ووضع لبنان على السكة الصحيحة.
وبالنسبة الى جلسة مناقشة البيان الوزاري، رجح رئيس المجلس بأنها “قد تعقد ابتداء من الثلاثاء المقبل، في حال إحالة البيان الى المجلس النيابي كحد أقصى صباح يوم الجمعة”.

واعلن ان “الواجب الوطني يحتم علينا جميعا تهدئة الأجواء، وخلق المناخات الملائمة لإعادة انتظام الحياة السياسية إستنادا الى الدستور والقانون”  معتبراً “ان دقة وحساسية الظروف الراهنة لا تحتمل جلد الناس والوطن والمؤسسات”.

وقال خلال لقاء الاربعاء النيابي: “إننا أمام فرصة حقيقية للانقاذ إما ان نتلقفها فننجح، وإما ان ننكفىء عنها فنفشل”.

ورجحت مصادر نيابية ان يلجأ برّي إلى اختصار كلمات النواب خلال جلسة الثقة بحيث لا تطول الجلسة كثيراً، كما فعل في جلسة مناقشة الموازنة، وهو يعمل على ذلك مع الاطراف التي “يمون عليها”، والتي قد تشمل الرئيس  سعد الحريري ووليد جنبلاط وربما سمير جعجع، لتمر جلسة الثقة بأقل الاضرار الممكنة” على المجلس وعلى الحكومة وعلى البلد، خاصة إذا ما قررت بعض اطراف الحراك الشعبي محاولة قطع الطرقات على النواب لمنعهم من الوصول الى المجلس.

و توقعت المصادر النيابية ان تحصل الحكومة على ثقة نحو 66 او 68 نائباً، فيما سيسجل نواب المعارضة خلال الجلسة مواقف تتعلق بالتوجهات السياسية والاقتصادية والمالية للحكومة، وبخاصة حول طريقة تشكيلها، بينما سيتولى نواب مؤيدون للحكومة الدفاع عنها بوجه حملات المعارضة، “حتى لا يتم تحميلها مسبقاً مسؤولية الاوضاع التي آلت اليها البلاد نتيجة سوء أداء الطبقة السياسية والحكومات السابقة، والذين اشتركوا جميعاً في عمليات الفساد والمحاصصة ونهب المال العام وتراكم المديونية العامة”.

هل من مفاجأة كتائبية
وفيما ترددت معلومات عن ان نقاشاً يجري في حزب الكتائب لناحية حضور الكتلة جلسة الثقة مع موقف حاسم بعدم إعطاء الحكومة الجديدة الثقة، وان نواب الكتائب يحضرون مفاجأة وصفت “بالمدوية” ستتم ترجمتها في الجلسة داخل القاعة العامة، اعتبر مصدر كتائبي مسؤول لـ”اللواء” ان المرحلة بما تحمله من أزمات ومخاطر ليست مرحلة اختبارات، وإنما مرحلة وضوح في الرؤى والبرامج الإنقاذية.

وقال: ان موقف الكتائب من الحكومة واضح منذ تشكيلها على أسس المحاصصة وتقاسم القوى السياسية الوزارات عبر وجوه مستعارة،  كما لناحية عدم ملاءمتها للمرحلة ومتطلباتها، لا سيما بعدما تبنت موازنة وضعتها حكومة أسقطتها الثورة وتبنت برنامجا اقتصاديا لم يعد صالحا بمعظمه لمعالجة ما وصلت اليه الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية.

وعن الطريقة التي سيتعاطى من خلالها الحزب مع جلسة الثقة قال المصدر الكتائبي: “ان الحزب على تواصل مع أوسع شريحة من شرائح الثورة وموقفه سيكون تعبيراً عن التقاطع القائم بين قناعاته وبين ارادة هذه الشرائح وتطلعاتها وتحركاتها”.