‘غريْب ومنتاكل هبرة’… ليست كسروانية!

7 فبراير 2020
‘غريْب ومنتاكل هبرة’… ليست كسروانية!

كم يحلو للبعض، الذين لم يعتبروا من تجربة ١٧ اكتوبر ومعانيها الوطنية الجامعة، أن يجرّوا شعب الإنتفاضة إلى حيث لا يريد، وإلى لغة أثبت طوال مئة وعشرة أيام أنه يرفضها، مضمونًا وشكلّا وجوهرًا، وهو ليس في وارد الردّ على الإساءة بأخرى، لأنه يعتبر أن التماهي مع هكذا أساليب يفقده جوهر قضيته الأم، وهذا ما يسعى إليه المستفزون القابعون على الضفة الأخرى من الوطن.
قيل الكثيرعن أبناء كسروان من باب الفكاهة ليس إلا، ويُنسب إليهم زورًا كلام لا يعبّر حقيقة عن أصالتهم المتجذرّة كصخور فيطرون وكفرذبيان.
“غريب ومنتاكل هبرة ورا”. كلام يُقال عادة عن المجتمعات الضيقة والمنغلقة، وهو يُنسب إلى أهل كسروان، لأن أغلبيتهم ينتسبون إلى الكنيسة المارونية، المعروفة بإنفتاحها على الجميع وبرفضها التقوقع، لكن بعض الموتورين، وهم موجودون في كل المناطق، حاولوا تشويه صورة كسروان الحضارية، أقدموا على إستفزاز أحد أبناء طرابلس وأعتدوا عليه، فكانت ردّة الفعل من قبل أهلها بترسيخ المفهوم الحقيقي لصيغة العيش الواحد في بلد يحاول التغلب على مشاكله بشتى الطرق.
ما حصل أمس الأول لا يعبّر عن روحية أهل كسروان، بل يعبّر عن حالة شاذة مرفوضة من أي جهة أتت، وهذا ما زاد أهل الإنتفاضة تمسكًا بمبادىء الأخوّة الحقيقية، إذ لم يميزوا في حركتهم بين طائفة وأخرى، وبين منطقة وأخرى، بل توحدّوا جميعًا للدفاع عن لقمة العيش وعن كرامتهم وأصالتهم، فكانت هذه الحركة نموذجية ومثالًا يُحتذى، إذ لا فرق في النضال بين إبن كسروان وإبن طرابلس وعكار وبعلبك والهرمل وزحلة وصيدا وصور والمختارة، فهم واحد في الهمّ المشترك وفي السعي إلى كسر حلقة الفساد أينما وجدت.
لقد برهنت طرابلس، وعلى مدى مئة وعشرة ايام وقبل ذلك بكثير، أنها نموذجية في التعبير عن غضبها وعن وجعها فلُقبت عن حق بعروس الثورة، وكان أبناؤها في كل الساحات، على رغم المحاولات الخبيثة بتشويه صورتهم، يدافعون عن الحرية والكرامة والسيادة ويرفعون الصوت عاليًا في وجه الظلم والظالمين، فكانوا القدوة في النخوة وفي الوطنية الخالصة البعيدة عن المصالح الضيقة.
فطرابلس تريد الدولة، وقد اثبتت للقاصي والداني بأنها الراعية لوحدة لبنان، وأن الطرابلسيين لن يقبلوا بعد اليوم بأن يكونوا “كبش محرقة” في كل الصراعات الداخلية، ولن تكون هذه المدينة الوحيدة التي تدفع ثمن انتفاضها بوجه التجاوزات التي يمارسها بعض شذاذ الآفاق وبعض الموتورين وبعض الذين هالتهم مشهدية ساحة النور.
ما بين كسروان وطرابلس، وما بين طرابلس وصور وبعلبك، بعد 17 أكتوبر، لن يفهمه بعض الذين ينغمسون في التيه حتى أذنيهم الصماء عن سماع كلمة الحق.
فإبن طرابلس الذي يقف اليوم في ساحة جونيه ليس غريبًا، بل مرّحب به بعدما توحدّت الساحات ونزعت عنها ثوب الطائفية ولبست ثوب الوحدة الوطنية، وبعدما إزيلت الحواجز ما بين النفوس قبل أن تزال جغرافيًا.
لمن لم يعتبر يقول أهل كسروان وأهل طرابلس “خيطوا بغير هذه المسّلة”!