كتب غسان ريفي في “سفير الشمال“: عندما إنطلقت إنتفاضة 17 تشرين الأول، رفع المحتجون في الشوارع أصواتهم ضد فساد السلطة، والمحاصصة السياسية، وتوزيع المغانم، والهدر المستشري في الكهرباء، والفساد في المؤسسات، والموازنة غير المتوازنة، وزيادة الضرائب بما فيها على الواتساب، بعدما طفح الكيل لديهم من طبقة حاكمة تعيش في كوكب آخر وتقدم مصالحها على مصالح شعبها.
وعندما إستقالت حكومة الرئيس سعد الحريري تحت ضغط الشارع، وجد المحتجون أنه آن الأوان بعد كل هذا الانتظار لكي يكون للبنان حكومة تكنوقراط من المستقلين والاختصاصيين تكون قادرة على الانقاذ وعلى الامساك بكل ملفات الفساد والهدر بما فيها الكهرباء لاستعادة ثقة المجتمع الدولي ما يدفعه الى الافراج عن المساعدات المالية للبنان.
بعد 112 يوما من التظاهرات والمسيرات والاعتصامات والاعتداءات والمواجهات مع القوى الأمنية، وتقديم الشهداء والجرحى والموقوفين، تقدمت حكومة حسان دياب ببيان وزاري يصح القول فيه أنه “فسر الماء بعد الجهد بالماء” بعدما جاء مناقضا لكل تطلعات وأهداف إنتفاضة 17 تشرين التي لا شك في أنها أربكت السلطة بشكل كبير، لكنها لم تستطع تغيير العقلية والآداء والنهج، فالرئيس دياب يبدو ملتزما توجهات التيارات السياسية التي قامت بتسميته، وهو لم يف بكل الوعود التي أطلقها لا على صعيد حكومة التكنوقراط التي تحولت الى حكومة محاصصة سياسية، ولا في حكومة الاختصاصيين التي تشكلت بفعل العلاقات الشخصية لأركان الحكم، ولا في تمثيل الانتفاضة.
لم يكتف الرئيس دياب بهذا القدر من إستفزاز الشارع، بل مع بداية عهده قام بدعسة ناقصة فتبنى موازنة الحكومة السابقة التي ثار عليها اللبنانيون وأسقطوها بسبب الضرائب التي تضمنتها، ثم عرج أكثر فأكثر ببيان وزاري فضفاض مشبع بالجمل الانشائية لا يحاكي تطلعات اللبنانيين نحو التغيير، أما الخطيئة الكبرى فهي في تبني خطة الكهرباء التي وضعتها الحكومة السابقة وحملت بصمات وزير الطاقة فيها سيزار أبي خليل وتحت إشراف الوزير المنتدب على كل وزارات التيار الوطني الحر جبران باسيل.
لا يختلف إثنان على أن قطاع الكهرباء وهدر مليارات الدولارات فيه، كان له دورا أساسيا في إشعال الانتفاضة الشعبية، ورغم ذلك لم تكلف حكومة حسان دياب نفسها عناء وضع خطة جديدة تضع حدا للهدر ولزيادة ساعات التقنين التي ترخي بظلالها القاتمة على اللبنانيين، ومما زاد الطين بلة التغاضي عن تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وذلك إرضاء للتيار الوطني الحر الذي سيستمر في وضع يده على هذا القطاع الذي يحيط به الفشل من كل حدب وصوب، الأمر الذي سيكون له إنعكاسات سلبية جدا على الصعيدين المحلي والدولي، خصوصا أن من الاصلاحات الهامة التي تنتظرها الدول المانحة وتربط مساعداتها المالية بها، هي في قطاع الكهرباء الذي قد يضع المسمار الأول في نعش الحكومة.
هذا الواقع، يطرح سلسلة تساؤلات أبرزها: ما هو دور حكومة حسان دياب طالما تبنت موازنة وخطة الكهرباء من الحكومة السابقة؟، وأين الانقاذ الذي تدعيه، والتحديات التي ستواجهها في ظل خضوعها للنهج السياسي القائم؟، وأين الانتخابات النيابية المبكرة؟، وأين الاصلاحات التي من المفترض أن تقوم بها؟، وهل جاءت هذه الحكومة لوقف الانهيار أو لادارته؟، ثم أين رئيس الحكومة من كل ما تشهده الساحة اللبنانية من تهديدات وإعتداءات على المتظاهرين وإثارة الفتن على خلفيات طائفية ومناطقية؟.
يمكن القول إن الرسالة تقرأ من عنوانها، وعنوان الحكومة حتى الآن يبدو ضعيفا، ولا يوحي بثقة ولا بقدرة على التغيير ولا على الاصلاح، ما سيجعلها في مواجهة حتمية مع الشارع الذي بدأ يعد العدة لأم المعارك لمنع إنعقاد جلسة الثقة يوم الثلاثاء المقبل بالرغم من القرار الصادر عن مجلس الدفاع الأعلى بتحويل مجلس النواب الى ثكنة عسكرية.