عون قرّر و”الأجهزة” تنفذ: ضرب الناشطين بيد من حديد

خطة قمع الثوار دخلت مرحلة التنفيذ

8 فبراير 2020
عون قرّر و”الأجهزة” تنفذ: ضرب الناشطين بيد من حديد

استنفرت الحكومة أجهزتها الأمنية والقضائية بكل طاقاتها، ليس لمكافحة الجريمة ولا لمحاربة الفساد والفاسدين، ولا لتوقيف ناهبي المال العام وسارقي ودائع الناس في المصارف، إنما لتعقّب الناشطين وكوادر الثورة، قبل الجلسة النيابية الثلاثاء المقبل، لعلّها تجتاز قطوع جلسات الثقة بهدوء، وتفتتح ورشة عملها خارج ضغط الشارع، لتستأنف العمل من المكان الذي انتهت إليه الحكومة السابقة، لكن بمعايير أكثر سوءاً وأشدّ تجاهلاً لمطالب الناس، لتواصل السلطة الفاسدة هيمنتها على البلاد، كأن شيئاً لم يحصل بعد السابع عشر من تشرين الأول.

“انتهى المزح”
ثمة معطيات استجدت في الساعات الماضية، وتوحي بأن حلقاتها المترابطة تمهّد لتنفيذ مخطط أمني، يكشف بوضوح ماهية الوظيفة التي أتت من أجلها حكومة حسّان دياب، وهي قمع الثورة إذ “لا صوت يعلو صوت الدولة”، وتفيد المعلومات بأن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد الجمعة في القصر الجمهوري، برئاسة الرئيس ميشال عون، ناقش الخطة الأمنية التي وضعت تحت عنوان “توفير الظروف الأمنية المناسبة لانعقاد جلسة الثقة، وحفظ أمن النواب والوزراء، والضرب بيد من حديد لكل من يعتدي على الأملاك العامة والخاصة ويقطع الطرق”.

ويرى المراقبون في خلاصة هذا الاجتماع الذي بقيت مداولاته سرية، رسّخ مفهوم انتقال أحزاب السلطة من مرحلة المهادنة إلى مرحلة المواجهة، وقمع الثورة على قاعدة “خلص المزح”، وانتهاء فترة السماح، وبدء مرحلة التصدي للأزمات”.

هذه الخلاصة، استندت إلى الإحاطة التي قدمتها الأجهزة، وتتضمن المعطيات الكافية عن معظم ناشطي الثورة وكوادرها، موثّقة بملفات أمنية أعدت لهؤلاء كفيلة بترهيبهم وثنيهم عن استكمال طريقهم. وكشفت مصادر عليمة لـ”المدن”، أن “الإحاطة الأمنية قدمت رؤية الأجهزة واستنتاجاتها لتبدلات طرأت على المشهد، تفيد بأن الثورة انتهت، وأقلّه تراجعت إلى الحدود الدنيا، بدليل خلّو ساحات الاعتصام من الثوار السلميين، لتصبح ملعباً للمندسين والمخربين والمعتدين، مع الحاجة إلى جهود إضافية للضغط على من تبقى من الثوار لتبديل مواقفهم، وإعطاء الحكومة فرصة كافية للعمل والانجاز”.

ربيع الزين نموذجاً

ويبدو أن الإجراءات العملية لقمع الثوار دخلت مرحلة التنفيذ، بدليل استدعاء عدد من الناشطين أمس إلى المفارز الأمنية. لكنّ أبرز ما حصل تمثّل بإعادة استدعاء الناشط ربيع الزين الموجود في المستشفى، ومسارعة قاضي التحقيق في جبل لبنان بسام الحاج، إلى إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، بعد ثلاثة أيام فقط على القرار الذي اتخذه القاضي نفسه بالإفراج عن الزين، حتى من دون استجوابه، ومن دون الأخذ بالمعذرة الطبية التي قدمها وكليه بسبب وجوده في المستشفى.

ووفق المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، فإن وكيل الزين المحامي نهاد سلمى، تلقى يوم الخميس اتصالاً من مكتب قاضي التحقيق بسام الحاج، أبلغه فيه ضرورة حضور ربيع إلى جلسة تحقيق حددت على عجل الجمعة، وبالفعل وصل المحامي سلمى مصطحباً التقرير الطبي الموقع من إدارة المستشفى ومن الطبيب المعالج. ويؤكد دخول الناشط المذكور منذ يومين العلاج نتيجة عارض صحي أصابه بعد خروجه من السجن، الّا أن قاضي التحقيق اتهمه بـ”المماطلة وعرقلة التحقيق”.

وتشير المعلومات نفسها، إلى أن المحامي سلمى سأل قاضي التحقيق عن سبب استدعاء ربيع مجدداً، علماً أن التحقيق بالملف ختم، فأبلغ أن هناك قراراً لإعادة التوسع بالتحقيق، بسبب توفر معطيات جديدة في الملف، ليتبيّن أنها ورقة طلب جديدة صدرت عن النائب العام الاستئنافي القاضية غادة عون، “ادعت فيها مجدداً على ربيع الزين وكلّ من يظهره التحقيق بالتورط مباشرة بإحراق مصارف ومحال تجارية، ومحاولة إحراق مركز التيار الوطني الحر في جونيه، وجاء الادعاء بالاستناد إلى جرائم جنائية تستدعي التوقيف ما بين ثلاث وسبع سنوات”.

زياد أسود.. مجدداً
واللافت أن هذه الإجراءات القضائية، تتعارض مع أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية. إذ لا يجوز الادعاء على شخص في الجرم نفسه الذي أوقف فيه وأخلي سبيله بقرار من الهيئة الاتهامية. ورأت مصادر مواكبة لهذه التطورات، أن “هذا الادعاء يأتي ترجمة لقرار سياسي يقضى بضرورة إعادة توقيف ربيع الزين قبل موعد جلسة الثقة، وتغييبه عن التحركات التي ستسبق وتواكب جلسة الثقة، وليشكل توقيفه رسالة ترهيب واضحة لكلّ الناشطين والكوادر الفاعلة في الحراك الشعبي، بأنهم سيلاقون المصير ذاته”.

وكشفت المصادر أن “صدور مذكرة توقيف عاجلة بحق ربيع الزين، لها علاقة بحادثة جونيه، وإخبار مقدّم من النائب العوني زياد أسود ضدّه وضدّ عدد من الناشطين، كردّ على تقديم محامين قريبين من تيار “المستقبل” إخبار لدى النيابة العامة التمييزية بحق مرافقي أسود، على خلفية اعتدائهم على شبان من مدينة طرابلس في جونية ليل الأربعاء، اتهامهم بارتكاب جرائم “الاعتداء بالضرب والايذاء على شباب عزّل، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والتعرض للذات الإلهية، والتحريض على الكراهية والفتنة وتعريض السلم الأهلي للخطر”، وقد أحال النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على شعبة المعلومات لإجراء التحقيقات اللازمة، مع مرافقي أسود لاتخاذ القرار المناسب بحقهم.

جرمانوس: استقالة قبل الإقالة؟
إلى ذلك، تقدّم مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، باستقالته من القضاء، وعزا الأمر لأسباب عائلية خاصة، في وقت تحدثت مصادر مقرّبة منه أن الاستقالة تأتي احتجاجاً على عدم دعوته لحضور جلسات مجلس الدفاع الأعلى التي تعقد في القصر الجمهوري في بعبدا. غير أن مصادر مطلعة على خفايا الاستقالة استبعدت الروايتين، وأعلنت أن جرمانوس استبق قرار المجلس التأديبي للقضاء، والذي يتجه إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحقه، ربطاً بملفات فساد وشبهات تحوم حول تورطه فيها.

ومن المقرر أن يسلّم جرمانوس وزير العدل ماري كلود نجم يوم لثلاثاء المقبل، كتاب استقالته، ويطلب فيه إنهاء خدماته استناداً إلى المبررات المشار اليها.

وفيما أوضحت المصادر المطلعة أن الإجراءات العقابية بحق جرمانوس، ما زالت طي الكتمان لدى المجلس التأديبي، رجحت أن تتراوح بين حرمانه من 6 درجاته، وصولاً إلى حدّ الطرد من مؤسسة القضاء.

المصدر المدن