في واحدة من “أخطر” حواراته الصحافية، أظهر الرئيس ميشال عون ميلاً نحو البحث عن عدو “غريب” يتحمل مسؤولية حال الانهيار في لبنان. إنها سياسة قديمة متجددة للتهرب من مواجهة الحقائق، والبحث عن كبش فداء مستضعف وقابل لأن يكون موضع كراهية وتنفيس احتقان وضحية سهلة.
الفلسطيني والسوري هما أصل البلاء. هما من أنزل باللبنانيين الكارثة الاقتصادية والمالية. هذا ما يريد ميشال عون أن يصدقه اللبنانيون.
نصف السكان؟
صحيح أنه في مقابلته مع مجلة Valeurs actuelles الفرنسية (السبت 8 شباط)، اعترف رئيس الجمهورية أن “الوضع اللبناني الراهن صعب، فنحن نعاني من ازمة اقتصادية خانقة”، لكنه قرر بشطحة غير دقيقة تاريخياً القول: “الاقتصاد اللبناني تحول إلى اقتصاد ريعي منذ الدخول السوري إلى لبنان في التسعينيات، ما جعل موازناتنا تتغذى بالديون، الأمر الذي خلق اقتصاداً غير منتج أدى إلى مضاعفة الدين العام”.
وإذ ذكر بمضاعفات الأزمة المالية العالمية وآثارها السلبية على الاقتصاد اللبناني، فإنه شدد على أن “الحروب التي اشتعلت في عدد من الدول العربية المجاورة، والتي كان الانتاج اللبناني يعبر من خلالها الى المنطقة العربية، ساهمت بمضاعفة الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت اكثر مع العدد الكبير للنازحين السوريين والذي فاق قدرة لبنان على التحمل. وبات عددهم مع اللاجئين الفلسطينيين يشكل اليوم نحو نصف عدد سكان لبنان”(!)
واعتبر أن “المعاناة الراهنة التي يعيشها لبنان نتيجة لذلك، تفوق طاقة تحمل دول كبرى لها. فقد كلفتنا هذه الأزمة حتى الآن نحو 25 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”. وأضاف “إننا سنتخذ كافة الاجراءات المالية الصارمة من أجل إعادة النهوض الاقتصادي. ولأجل ذلك، نحن لسنا بحاجة الى مساعدة استثنائية، بقدر ما لنا الحق في أن نستعيد من قبل الدول التي اشعلت الحرب في سوريا، جزءاً من الـ25 مليار دولار التي تكبدها لبنان من جراء هذه الحرب والنزوح السوري إليه. فالسوق الاقتصادي اللبناني صغير الحجم، ينهك بسرعة إلا أنه سريعاً ما ينهض من كبوته”.
أما من هي “الدول التي أشعلت الحرب في سوريا” فلا يسميها عون. أهي تشمل إيران وروسيا؟ أيتبنى مثلاً رواية بشار الأسد عن “الحرب الكونية”؟ هل يستثني حزب الله من تهجير السوريين؟ هل يعرف أن النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في لبنان أخرجتهم ميليشيات لبنانية حليفة له من قراهم ومدنهم وبلداتهم؟
الفساد..
على كل حال، المقابلة كلها تنضح بمفارقات أسوأ وأكثر افتراقاً عن الواقع والحقائق، ويعتريها تضخيم هائل للأوهام، كقوله أن “هناك عددا من الدول قد أعربت عن رغبتها في مساعدة لبنان، وفي مقدمها فرنسا”!
بل ورداً على سؤال أعلن: “حزب الله لا يقود الحكومة الجديدة”!
وتطرق إلى موضوع محاربة الفساد في لبنان، باستخفاف منقطع النظير: “الفساد موجود في لبنان، وإن كانت معظم الدول تعاني منه بنسب مختلفة، إلا أن نسبته مرتفعة في لبنان، ومحاربته تشكل جزءاً أساسياً من برنامج عملنا. ولقد تقدمنا بعدة مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي في هذا الغطار، وهو يعمل على إقرارها بهدف محاربة الفساد، ومن بينها مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة”. ولفت إلى “اننا سنعمل بشكل وثيق مع شركائنا الدوليين وفق هذا التوجه، كون القسم الاكبر من هذه الاموال لم يعد موجوداً في المصارف اللبنانية”.
انسوا الدولة المدنية
كما تطرق إلى “تنديد الحراك المدني بتقاسم السلطة على أساس طائفي في لبنان”، فأوضح أن “اتفاق الطائف قلص بشكل كبير صلاحيات رئيس الجمهورية، وبات مجلس الوزراء نتيجة ذلك هو المسؤول عن السلطة الاجرائية. أما النظام الطائفي فهو جزء من النظام اللبناني القائم ككل”. وقال: “علينا أن نحدث تغييراً في قوانيننا الأساسية بهدف التوصل إلى نظام مدني. وهذا يتطلب مراجعة قوانين الأحوال الشخصية. فمن غير المقبول أن تكون هناك عدة قوانين للأحوال الشخصية يخضع لها المواطنون”. وكشف في الوقت عينه “انه ليس من الممكن في ظل الظرف الراهن التوصل إلى مثل هذا الامر”.
سوريا الآمنة!
وعاد إلى الحديث عن تداعيات الأزمة السورية على لبنان، فأكد أن “الكثير من المشاكل التي نعاني منها اليوم هي نتيجة الوضع السوري الحالي. والدول الغربية لا تجيز حتى المفاوضات المباشرة بهدف إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم”. وشدد على أن “هؤلاء النازحين ليسوا ابداً لاجئين سياسيين، بل نازحين نتيجة الأوضاع الأمنية التي شهدتها مناطقهم. والحرب قد انتهت الآن في هذه المناطق وباتت آمنة وعليهم أن يعودوا”. وقال: “نحن لا نفهم الموقف الغربي الرافض لعودتهم، وهو موقف تترتب عليه نتائج كثيرة. لقد تحدثت مرات ثلاث حول هذا الأمر من على منبر الامم المتحدة، وقد بات مسؤولية غربية جماعية”.
إيران وأميركا وضمانة شخصية
وسئل عما إذا كان لبنان يخشى أن يكون ضحية التجاذبات بين ايران والولايات المتحدة الاميركية بواسطة “حزب الله”، فأجاب: “نحن خارج هذا المسار، ولا يمكننا ان نقبل بما يحدث، لأنه مخالف لكافة الشرائع الدولية. من هنا فإنه من المستحيل على لبنان أن يقع فريسة هذه التجاذبات”. أضاف: “الجميع يعتقد ان حزب الله سيتدخل في حرب بين الطرفين، لكنني أضمن شخصياً أن حزب الله سيحترم القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، إضافة إلى ان الحزب لا يتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. فللحزب نوابه ووزراؤه، وكل ما يصدر عن الحكومة مقبول على الصعيد الوطني، كما هو الأمر بالنسبة إلى ما يصدر عن المجلس النيابي. خارج هذا الأمر، ليس للحزب من دور. إننا غالباً ما نسمع أن سيادة لبنان ضائعة وحتى منتهكة بسبب وجود حزب الله ومن قبله، إلا ان هذا الاعتقاد خاطئ”.
الرد على إسرائيل
وسئل عن رده على كلام الاسرائيليين حول مخاطر الأنفاق التي حفرها “حزب الله” والصواريخ التي يملكها، فقال: “لدول العالم نظرات مختلفة حول دور حزب الله. ولكن، لنكن صريحين ولنعد قليلا إلى الوراء، تحديدا إلى العام 1948 تاريخ نشأة الكيان الاسرائيلي، ولنسأل كم من مرة اعتدى لبنان على اسرائيل؟ ولا مرة، في حين ان اسرائيل هي التي احتلت جنوب لبنان، الامر الذي ادى الى نشأة مقاومة حزب الله التي نجحت في طرد الاحتلال الاسرائيلي من لبنان، بعدما بقيت كافة قرارات الامم المتحدة الداعية الى الانسحاب الاسرائيلي الفوري من الجنوب حبرا على ورق. لقد قاد حزب الله المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي مدة 18 سنة. وعلى الرغم من ذلك عاودت اسرائيل اعتداءها على لبنان في العام 2006، وخسرت الحرب ضدنا”.
وأوضح في الإطار عينه أن “جزءا من أراضينا لا يزال محتلاً من قبل اسرائيل، ولدينا نتيجة الصراع العربي- الاسرائيلي نحو 500 ألف لاجئ فلسطيني، الأمر الذي يهدد التوازن الديموغرافي في بلدنا”. (معظم الإحصاءات تشير إلى أن الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز عددهم المئتي ألف بأقصى تقدير).
كارلوس غصن
وحول مسألة كارلوس غصن، قال رئيس الجمهورية: “راجعنا السلطات اليابانية مرارا طوال مدة توقيفه، بهدف مساعدته ومعرفة التهم الموجهة اليه، واستقبلنا نائب وزير الخارجية الياباني وسألناه عن الموضوع، الا انه ما من وثيقة وصلتنا حول الامر. وذات يوم تفاجأت صباحا باتصال من قبله، وقد ترك رقما له في بيروت، التي عاد اليها من تركيا”.
وسئل عما إذا كان يتوقع لغصن دوراً في إعادة النهوض الاقتصادي للبنان، فقال: “هذا ممكن”.
يمكننا التنبؤ أن حديث الرئيس، سيكون له انعكاسات سلبية جداً في الدوائر الدولية.