الزملاءَ والزميلات،
في الأصلِ اللاتيني لكلمةِ “ثقة”، معنى الفخرُ المشترك بينَ مَنْ يَكتسبُ الثقةَ ومَنْ يهِبُها…
فخرُ من يكتسبُها، لأنَّهُ تَلَقَّى أقدسَ ما يمكنُ لإنسانِ أنْ يَهِبَهُ…
وفخرُ مِنْ يَهبُ الثِقَة، لأنَّه وَجَدَ مَنْ يَكونَ أهلاً لثقَتِهِ…
ليستْ المَسألَةُ هنا مَسألةَ علاقتي كفردٍ بعشرينَ شخصاً يَجلسونَ أمامَنا…
إنها مسألةُ علاقةِ شعبٍ بسلطةٍ مُؤتَمَنَةٍ على أمورِ بلادِه، وحُكمِ وَطَنِه، ومُقدراتِ أُمَّتِهِ، وحاضِرِ أبنائِه وبناتِه ومستقبَلِهِم…
شعبُنا يا دولةَ الرئيس موجودٌ في الشوارعِ والساحات، منذُ أكثرَ مِنْ 100 يوم، لا لأنَّه يُريدُ انعدامَ السُلطة، بَلْ لأنَّهُ يُريدُ فِعلاً سلطةً يَثِقُ بها، أيْ سلطةً يَعتمِدُ عليها ويُؤمِنُ بها ويأتَمِنُها ويُصدِّقُ أقوالَها وأفعالَها…
شعبُنا هذا يا دولةَ الرئيس، هناكَ مَنْ دَفَعَ باسمِهِ أكثرَ مِنْ 70 مليار دولار مِنْ فوائدَ مصرفيةٍ غيرِ منطقيةٍ ولا شرعيةٍ ولا مشروعة، ودَفَعَ أكثرَ مِنْ 40 مليار دولار، صُرفتْ أو هُدِرَتْ بصورةٍ غيرِ شرعيةٍ كلفةَ طاقةٍ كهربائيةٍ لَمْ تَصِلْه… وهو يَنزِفُ كُلَّ سنةٍ مليار دولار تهريباً في المرافقِ الشرعية، وأكثرَ مِنْ مليار في غيرِ الشرعيِّ منها… وأكثرَ مِنَ الاثنينِ معاً، في تَهَرُّبِ الكبارِ والمَحْمِيينَ والمَحْظِيينَ مِنَ الضرائب…
فكيفَ سَتَستَعيدُ هذه الحكومةُ هذا المال؟ وكيفَ ستُحاسِبُ مَنْ سَرَقَهُ أو أَهْدَرَه؟ وكيف ستُحاسِبُ مَنْ حَظِيَ بِنِعمِها ومغانِمِها؟ وكيف ستَمْنَعُ أيَّ ارتكابٍ مُماثِلٍ لاحقاً؟
فلمْ نَجِدْ جَواباً على هذه الأسئلةِ في بيانِ الثقةِ المُفتَرَضَة…
وكيفَ ستُواجِهُ هذه الحكومةُ تقاريرَ المنظماتِ الدوليةِ التي احْتَلَّ فيها لبنانُ المرتبةَ الرابعةَ للدولِ الأكثرِ مديونيةً في العالم، حيثُ سَجَّلَتْ نسبةُ الدينِ الحكوميِ العام 162% مِنَ الناتجِ المحليِ الإجماليِ بِحَسَبَ صندوقِ النقدِ الدولي؟
إضافةً إلى ذلكَ، أصدرتْ منظمةُ الشفافيةِ الدوليةِ تقريرَها حولَ مؤشِّرِ مدركاتِ الفسادِ الذي يَدلُّ على حجمِ الفسادِ في القطاع العام، حيث احتلَّ لبنانُ المرتبةَ 137 من 180، أي مِنَ الدُّوَلِ الأكثرِ فساداً.
إنّ اللحظةَ استثنائيةٌ، تَتَطَلَّبُ مَوقفاً مُغايراً وجُرأةً استثنائيةً مدعومةً بأداءٍ سياسيٍ جديدٍ، يَقطَعُ مَعَ الماضي ويُطَمْئِنُ الشارعَ المُنْتَفِض…
دولةَ الرئيس،
إنَّ أيَّ ثقةٍ يُمكنُ أنْ تُعطىَ للحكومة، يَجِبُ أنْ تَرْتَبِطَ بخُطَّةِ طوارىء إنقاذيةٍ مَعَ مؤشراتٍ واضحةٍ للتنفيذ، تُريحُ الإقتصادَ، وتَستعيدُ الثقةَ بعافيةِ الدولةِ الماليةِ والنقدية، وتُزيلُ عَنْ كاهلِ المواطنينَ عبءَ الإنهيارِ المستمر، وتقدمُ الدعمَ للفئاتِ المهمشةِ والفقيرةِ ومحدودي الدَّخْل، وللوافدينَ الجددِ إلى سوقِ البطالة، وتُطَبِّقُ مبادئَ العدالةِ الاجتماعية.
ولا يمكنُ لأيِّ خطةٍ أنْ تُصاغَ في أبراجٍ عاجيةٍ بعيداً عَنْ نَبْضِ الشارع، أو محكومةً بمحاصصةٍ سياسيةٍ وطائفيةٍ أو ذهنيةٍ تقاسُمية، كما جرتِ العادة.
ولكنْ، تَبَيَّنَ لي أنَّ النهجَ المُتَّبَعَ سابقاً بَقِيَ سائداً، وأنَّ السُلطَةَ بعيدةٌ كُلَّ البُعْدِ عَنْ مطالبِ الشعبِ ومُعاناتِهِ وتَطلُّعاتِهِ، فارتَضَتْ بموازنةٍ بائسةٍ عشوائيةٍ خيالية.
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تُقفلُ مزاريبَ الهدرِ في الوزاراتِ والمجالسِ المختلفة، عبرِ التوظيفِ العشوائيِ والتنفيعات…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تُفعِّل أجهزةَ الرقابةِ مِنْ مجلسِ الخدمةِ المدنية وديوانِ المحاسبة والتفتيشِ المركزي، بعيداً عَنِ الهيمنةِ السياسيةِ لتعزيزِ إدارةِ الدولةِ بِمَفْهُومِها المؤسساتي، ووضعِ كلِّ الأجهزةِ التنفيذيةِ للدولةِ تحتَ مِظَلَّةِ الرقابة…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تتعاوَنُ كلُّ الجهاتِ المعنيةِ لضبطِ الدينِ العام وخِدْمَتِهِ، وتعمَلُ على استعادةِ استقرارِ النظامِ المصرفي وحمايةِ أموالِ المودعين…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يَقومُ وزيرُ الماليةِ بتصحيحِ الماليةِ العامة وإعادةِ هيكلةِ القطاعِ العام عبرَ زيادةِ الايراداتِ وتخفيضِ النفقاتِ لدولةٍ تَلفظُ آخرَ أنفاسِها…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يُثبِتُ وزيرُ الداخليةِ أنَّ الدورَ الأساسيَ للأجهزةِ الأمنيةِ هو حمايةُ المواطنينَ والأملاكِ العامةِ والخاصة، ويومَ يَضَعُ قوانينَ جديدةً للأحوالِ الشخصيةِ والأحزابِ السياسية…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تُثْبِتُ وزيرةُ الدفاعِ أنَّها ضمانةٌ للجيشِ اللبناني فَوْقَ أيِّ اعتبارٍ سياسيٍ أو طائفي، وكذلكَ لكلِ حقوقِ العسكريينَ والمتقاعدينَ وعائلاتِهم…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يُعيدُ وزيرُ الخارجيةِ صورةَ لبنانَ إلى ما كانتْ عليه، وتُكَوَّنُ شبكةُ أمانٍ دوليةٍ للبنانَ ويتمُّ العملُ على استعادةِ ثقةِ المجتمعِ الدَّوْلِي بالبلد…
سأمنحُ الحكومةَ ثِقتي يومَ يَضَعُ وزيرُ الاتصالاتِ حَدّاً للصفقاتِ المشبوهةِ والتوظيفاتِ العشوائيةِ في القطاع، ويكونُ تعاونٌ مَعَ الهيئةِ الناظمةِ للاتصالات…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يُقَدِّمُ وزيرُ الصحةِ مشروعاً عَصرياً وواضِحاً للتغطيةِ الصحيةِ الشاملة، ويدعمُ تصنيعَ الدواءِ الجنريك في لبنان…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يُنفِّذُ وزيرُ الطاقةِ خطةَ كهرباءٍ بعيداً عَنْ مَنطقِ المحاصصات، وتُعفي الدولةَ مِنْ ثلثِ عجزِها، ويُعيدُ دراسةَ الجدوى والأثرِ البيئيين لمشاريعِ السدود…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يُنفّذُ وزيرُ الأشغالِ العامةِ والنقلِ استراتيجيةً متكاملةً للنقلِ المشترك، تشملُ الطرقاتِ وسككَ الحديدِ والمطاراتِ والمرافئ، بما يُسهِمُ في تنميةِ الاقتصاد…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تحفظُ وزيرةُ الإعلامِ حقَّ حريةِ التعبير، وتُعيدُ للسلطةِ الرابعةِ هيبَتَها…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ تُكَرِّسُ وزيرةُ العدلِ شعارَ “العدل أساس الملك”، وتُحَصِّنُ القضاءَ ضِدَّ كافةِ أشكالِ التدخلاتِ السياسية…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ يَضمَنُ وزيرُ الشؤونِ الاجتماعيةِ والسياحة الدعمَ والمساعدةَ الفعليةَ للأسرِ الأشدِّ فقراً في لبنان، لتأمينِ أبسطِ مُقوِّماتِ العيش، ويَضَعُ استراتيجيةً للنهوضِ بالقطاعِ السياحي…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ يَضَعُ وزيرُ التربيةِ استراتيجيةً وطنيةً للتربية، تحاكي التطورَ التكنولوجيَ وتواكبُ متطلباتِ العصر، ويدعمُ التعليمَ الرسميَ والجامعةَ اللبنانية…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ يقومُ وزيرُ الصناعةِ بتحويلِ القطاعِ الصناعي إلى مُساهِمٍ أساسيٍ في الاقتصادِ الانتاجي، ويستقطبُ الصناعاتِ التفاضلية…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ تضعُ وزيرةُ العملِ استراتيجيةً وطنيةً لحمايةِ العمالةِ اللبنانيةِ وضمانِ حقوقِ المؤسساتِ، وتعملُ على خفضِ معدلاتِ البطالة…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي يومَ ينفّذُ وزيرُ التنميةِ الإداريةِ والبيئةِ مخططاً توجيهياً لمكننةِ الإداراتِ العامةِ في لبنان، فيمنعُ الرشوةَ والمماطلةَ في المعاملات، ويضمنُ انتظامَ العملِ في المؤسساتِ العامة، ويضعُ خطةَ حلٍّ لأزمةِ النفايات، بالإضافةِ إلى مخططٍ توجيهيٍ للكساراتِ والمرامل…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ يُطبِّقُ وزيرُ الاقتصادِ خطةَ ماكينزي، ويقومُ بتحويلِ الاقتصادِ مِنْ ريعيٍ إلى منتج، وبتوسيعِ الاقتصادِ ودعمِ حمايةِ المستهلك…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ تُعالجُ وزيرةُ المهجرينَ هذا الملف، وتَضمنُ للمهجرينَ حقَّهُم بالعودةِ الكريمةِ إلى بلداتِهم، وتقفلُ هذا الملفَّ نهائياً…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ تولي وزيرةُ الشبابِ والرياضة اهتماماً خاصاً بالشباب، نبضِ الانتفاضةِ اليوم، وصانعي مستقبلِ لبنان، وتُبعدُهُم عن الآفاتِ المجتمعية…
سأمنحُ الحكومةَ ثقتي حينَ يُقَدِّمُ وزيرُ الزراعةِ والثقافةِ خطةً وطنيةً لدعمِ القطاعِ الزراعي وتقويةِ قُدْرَتِهِ التنافسيةِ محلياً وعربياً، وحينَ يُعزِّزُ ثقافةَ لبنانَ، وتاريخَهُ، وحضارتَهُ القائمة على الفنونِ الجميلةِ والعريقة.
دولةَ الرئيس،
مَعَ احترامِنا وتقديرِنا لبعضِ الاصلاحيينَ والاخصائيينَ في الحكومةِ الماثِلَةِ أمامَنَا، أجدُ صُعوبَةً في مَنْحِهَا ثِقتي لمجرَّد الكلامِ بلا تاريخ، ولا شواهد، ولا شهود، ولا تَسْتَجِيبُ لِصَرْخَةِ الناسِ المَوجوعَةِ في الشَّارِع…
فأنا يا دولةَ الرئيس، ابنُ مؤسسةٍ رَسَمَتْ حُدودَ الوطنِ بالأجسادِ والقلوبِ والأضْرِحة… لذلكَ اسْمَحْ لي ألا أمنحَ ثقتي لحكومةٍ جاءتْ ثَمرَةَ محاصصةٍ سياسية…
مَعَ أنَّني أتَمَنّى صادقاً وأرجو بعمق أنْ أكونَ مخطئاً، وأنْ تَنْجَحَ هذه الحكومة، وأنْ تُنْقِذَ الوطنَ والشعب، لا الحُكّامَ والسياسيينَ الذين جاءوا بِها لإنقاذِ أنفُسِهِم مما ارتَكَبَتْهُ أيديِهِم طوالَ سنوات… عندها، سَأَقِفُ مجدداً هنا، لأمنحَ هذه الحكومةَ ثقتي، مَعَ الاعتذارِ حينَها عن موقفي اليوم…”.