يدخل لبنان حقبة حسان دياب. لا شيء يعبّر عن الانهيار سوى ذلك. أن نرى هذا الرجل يتلو بياناً من أوهام، كلمات تخرج من الورقة إلى هباء المعنى. ما ينص عليه بيان الحكومة بكل بنوده هو “تشبيح”، خطبة مجانية في هواء البث المباشر. كل “مشروع” وكل “برنامج” وكل “خطة” وكل “سياسة” ذكرها دياب إن لم تكن كاذبة فهي مستحيلة.
حقبة حسان دياب هي نمط جديد من الفساد: بيع الخواء، والترويج للوهم. حقبة الإفلاس بامتياز. والوهم الأكبر هو تصديق رئيس الحكومة ووزراؤه أنهم هم “الحكومة” والحكم. فهؤلاء الظلال لا يسعهم سوى أن يكونوا أطيافاً وأن يكون قولهم أصداء شبحية.
بصعود النائب محمد رعد إلى منصة مجلس النواب، متحدثاً عن “صفقة القرن” وعن المقاومة، ثم ظهور جبران باسيل ممارساً كعادته أكروبات القفز والرقص على وقع الثورة ومسرح “العهد”، وما قاله بوضوح بالغ الخطورة: “أي رهان هو خاطئ إذا أتى من الخارج، لهز الاستقرار ولتغيير معادلات الداخل على حساب قوة البلد، وسيتكرر سيناريو تموز 2006 مع مفاعيل داخلية مختلفة هذه المرة”. ومستمرئاً التحريض على اللاجئين، مطالباً بـ”الانتقال إلى اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة”.. بهذين النائبين، وما قالاه سياسة ورأياً اقتصادياً وخططاً مالية، نرى أصل السلطة، جسدها الفعلي، حكومتها الحقيقية.
رعد وباسيل جعلا دياب باهتاً أكثر من بهوته الأصلي. كلامهما هو “البيان الوزاري” الفعلي. فحين يحضر الأصل ينخسف الظل.
يمثل هذان النائبان الانقلاب المديد، المبتدئ في 7 أيار 2008. الغلبة التي أسست نظاماً سياسياً مارقاً، معزولاً ومعاقباً وغارقاً في ثلاثية التفاهة والفساد وفائض القوة. هذه الثلاثية أودت بلبنان إلى أن يكون دولة فاشلة.
مهزلة المجلس النيابي المتناسلة من يوم “القمصان السود” المشهود إلى كل مسلسل التعطيل، إلى مسلسل التمديد، إلى الجلسات غير الدستورية، أستنفدت شرعيته وأسقطته اعتباراً. وما اضطرار هؤلاء النواب إلى التسلل خلسة أو “فوق أجساد المتظاهرين” (على قول الزميل نادر فوز)، إلا توكيد مشهدي على لاشرعية وجودهم واجتماعهم، لا أخلاقياً ولا سياسياً.
لكن ما يجعل تلك الغلبة متسيدة، ويمنح حزب محمد رعد و”عهد” جبران باسيل صلاحية السلطة، هو استمراء “المهزومين” هزيمتهم، انقيادهم الطوعي للانصياع. حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، لم يتركوا فرصة منذ 17 تشرين الأول 2019 ليتصالحوا مع جمهورهم إلا وبددوها. اعتادوا خذلان مؤيديهم لإرضاء نبيه برّي مثلاً. ما السر؟ فتات السلطة؟ التواطؤ والشراكة بتاريخ الفساد وتغطيته في “التجارة السياسية”؟
ليس مهماً الجواب منهم. لا مغزى من مساءلتهم أصلاً. ولا جدوى من تمييزهم كثيراً عن بقية أركان السلطة.
هذا كله ما يجعل ثورة 17 تشرين قدراً لا خياراً.