لم يكن أحدٌ يتوقع أنه وفي عزّ العهد “العوني” في رئاسة الجمهورية والكتلة الأكبر في مجلس النواب والحصة الأكثر وزنًا في الحكومة أن تصبح شعبية التيار الوطني الحر في أسوأ أيامها. فزيارة رئيس “التيار” جبران باسيل الشهيرة إلى طرابلس في تموز الماضي، والتي قوبلت بمقاطعة سياسية وشعبية واسعة، أكبر دليل على أن ما كان يقوله من أرقام عن قوة شعبيته وتياره في طرابلس والشمال، ليس سوى “نسج خيال”، تماماً كما الوعود التي أغدقها على اللبنانيين بالكهرباء.
في ظل هذا العهد وصل لبنان إلى أسوأ الأوضاع الإقتصادية، الفقر والجوع في كل مكان. ربما طرابلس وعكّار من أكثر المناطق التي برز فيها سوء الأوضاع لأنها مناطق الحرمان الأزلي في لبنان. في طرابلس وقبيل اندلاع ثورة 17 تشرين، رفع الطرابلسيون شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” في مسيراتهم. وخلال الثورة رُفعت يافطات تطالب رئيس الجمهورية بالتنحّي، وسمعت هتافات في ساحة النور وعند كل تظاهرة تشير إلى باسيل وتياره بالفساد وبالحقد على طرابلس والشمال، فضلاً عن مطالبة الثوار للمحافظ رمزي نهرا المحسوب على “الوطني الحر” بالرحيل عن المدينة.
هنا في الشمال رأي واسع يرى أنّ “باسيل الذي رفع شعار استرداد حقوق المسيحيين لم يقم عملياً إلا باسترداد الوظائف والسلطة لمصلحة محازبيه، ومعاقبة باقي المناطق بحرمانها من حقوقها”، كما حصل عندما قام باسيل بنقل الكلية البحرية من عكار إلى البترون، وافتعال أزمة حول مكان فرع الجامعة اللبنانية في عكار بين أن تكون في منطقة العبدة ذات الأغلبية المسلمة أو في تلعباس الغربي حيث الأغلبية المسيحية.
يشير النائب السابق مصباح الأحدب في حديث إلى “نداء الوطن” إلى أنّ “خطاب “التيار الوطني الحر” لا يشبه لبنان ولا اللبنانيين.
فمفهوم لبنان لدى التيار يتناقض تماماً مع مفهوم لبنان التعددي المنفتح، فرؤيتهم للبنان بأنه المشرقي المسيحي، والرئيس عون قال “انتصرنا على العثمانيين”، عن أي عثمانيين يتكلم؟ هذا الخطاب نبذه الجيل الجديد في هذا البلد. التسوية الرئاسية بحد ذاتها هي عبارة عن تحالف طائفي، بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، على حساب لبنان التعددية، حصل بمباركة الأطراف الأخرى التي كانت لديها حصة فن السلطة”.
أضاف: “ما يفعله العونيون هو استعمال المؤسسات اللبنانية من أجهزة أمنية وقضائية وإدارية، لتفعيل مواقع تيارهم السياسية على حساب الدولة والشعب، حتى وصلنا في الداخل إلى ما نحن عليه اليوم، ومع الخارج بتنا في محور غير مقبول دولياً بدل أن نعتمد سياسة النأي بالنفس. هو خطاب يتناقض مع مفهوم لبنان لأنه يحوّله إلى نظام ديكتاتوري قمعي وهذا ليس جوهر لبنان. ولذلك فإن هذا الخطاب ليس مرفوضاً فقط في طرابلس وعكار والشمال، بل حتى في المناطق المسيحية، لأنه طرح تقسيمي غير مقبول من الشعب اللبناني وغير قابل للإستمرار. إن السلطة بين أيدي هؤلاء خطرة، لأنهم يستعملونها لتدمير البلد لحساب مصالحهم”.
#أنا_ حرقت_مكتب_العونية
في عكّار التي أَحرق فيها شبّان مكتب “التيار الوطني الحر” بعد حادثة تعرّض مرافقي النائب زياد أسود لشابّين من طرابلس، ثمة رفض واسع لسياسة “التيار” ومن ورائه العهد الداعية إلى معاقبة المنطقة وأهلها، وهذه المرة من باب استدعاء الثوار إلى التحقيق على خلفية حرق المكتب. بينما انتشر على وسائل التواصل الإجتماعي هاشتاغ “#أنا_حرقت_مكتب_العونية”، في تعبير من الناشطين على الوحدة في وجه السلطة التي تستهدفهم.
واعتبر الناشط في ثورة عكّار المختار زاهر الكسّار أنّ “رد فعل الشبان على حرق بعض الموجودات في مكتب التيار الوطني الحر جاء على خلفية التصريحات والأفعال التحريضية من المحسوبين على التيار وآخرها جماعة زياد أسود. فنتفاجأ بأنه يتم طلب 20 شابًا من عكار إلى التحقيق، وتركوا كل الفاسدين يسرحون ويمرحون، وصار هؤلاء الشباب هم وراء مشاكل البلد في نظر هذه السلطة”.
أضاف: “في أعقاب لقاء التضامن مع الناشطين الذي عُقد في بلدية ببنين، شنّ أنصار “التيار الوطني الحر” هجومًا علينا على وسائل التواصل الإجتماعي. بدأوا يروجون أننا دواعش وضد العيش المشترك وهذا كلام أكثر من فتنوي وأكثر من تحريضي”، كما إستنكر الناشط في ثورة عكار هيثم طالب هذه السياسة واعتبر أن “ما يقوم به التيار ونوابه ومسؤولوه، من تصاريح فئوية مذهبية هو الذي يؤجج الفتنة في البلد، وهذا ما يجب أن يتحرك لأجله القضاء وليس الإستدعاءات للناشطين الثائرين في وجه الظلم والفساد، هذه سياسة تعتمدها السلطة من ضمن خطتها للقضاء على الثورة”.