وبعد قراءة الفاتحة وإهداء ثوابها لروح الرئيس الشهيد ورفاقه الأبرار، قال المفتي دريان: “تحل هذه الأيام الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري وهي تبقى ذكرى عزيزة وأليمة على قلب وعقل كل واحد منا. فما كان الرئيس الشهيد شخصا عاديا لينسى، ولا كان التآمر على قتله مقبولا أو مبررا بأي مقياس. كان من السعة والعمق بحيث اعتبره الجميع رجل أمة ودولة ورؤية إنقاذية، تعدى تأثيرها لبنان إلى المجالات العربية والدولية”.
أضاف: “عندما ظهر رفيق الحريري في مطالع الثمانينات من القرن الماضي، كان لبنان غارقا في ثلاث أزمات: أزمة الاحتلال الإسرائيلي وما أحدثه من خراب، وأزمة الصراعات والنزاعات المسلحة بالداخل اللبناني، وأزمة التفكير بمستقبل الدولة والنظام والعيش المشترك. وفي كل هذه الأزمات كان رفيق الحريري، وبمعاونة المملكة العربية السعودية، مبادرا ورائدا، وصانعا للحلول. وهو عندما كان يسعى لجمع اللبنانيين المتخاصمين ليتحدثوا معا وبشكل مباشر؛ قام إلى جانب ذلك بعملين جليلين. عمل من خلال شركاته على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وأنشأ مؤسسة الحريري لتعليم الشباب المعوزين، التي وصل مبعوثوها في أواخر التسعينات إلى زهاء الأربعين ألفا، غيَّروا وجه لبنان التعليمي والتربوي. أما المصالحة الوطنية بالطائف، التي أخرجت لبنان من النزاع الطويل، واشترعت الدستور الحالي، فقد تمت بمبادرة من المملكة العربية السعودية، وكان للرئيس الحريري دور كبير فيها”.
ورأى أن “وحدة اللبنانيين تقوم على تقدمهم وريادتهم ورسالتهم تجاه أنفسهم وعيشهم المشترك، وتجاه العرب والعالم”، معتبرا أن “الشهيد الحريري في عمله وأمله كان على وعي تام أنه إنما يبني بشباب لبنان المتعلم والمثقف، مستقبل لبنان السيد الحر المستقل القوي والواحد”.
وقال: “نحن نتحدث عن رفيق الحريري المعمِّر ورائد النهوض الوطني، وصاحب الرؤية المستقبلية. لكننا لا نتحدث كثيرا عن رفيق الحريري الإنسان، وقد كان رحمه الله مثلا رائعا في كرم النفس واليد، والود والوفاء والأخلاق تجاه الذين يقصدونه أو لا يقصدونه من أصحاب الحاجات. وليست هناك مؤسسة اجتماعية أو خيرية في لبنان، إلا وتعرف التزامه وتضامنه معها، وحرصه على أن يظل اللبنانيون روادا في العمل الخيري، وفي التنمية الإنسانية، وفي صنع الجديد والمتقدم في كل المجالات”.
أضاف: “رفيق الحريري الإنسان، ورائد التربية والتعليم، وإعمار لبنان، والعيش المشترك والوحدة الوطنية. كل ذلك كان رفيق الحريري وأكثر. ولذلك فإنَّ الخسارة به كانت كبيرة وماتزال… لكنني من خلال ترددي عليه رحمه الله أعرف مبادراته الشجاعة في مؤتمرات باريس الثلاثة للخروج من الأزمات. وأعرف كم كان اعتماده على العلاقات العربية والدولية في احتضان لبنان وحمايته من نفسه، ومن أزمات الداخل والخارج. ولا يحتاج المرء إلى الكثير من التفكير والتأمل، ليصل إلى أن هذا الاجتماع الكبير العربي والدولي من حول لبنان، الذي أنجزه رفيق الحريري، خلال عقدين وأكثر، والذي أضيف إلى مواريث لبنان في العالم”.
وتابع: “كان الرئيس رفيق الحريري يسأل نفسه ومحاوريه بصوت عال: لماذا ينشئ البشر دولا وأنظمة؟ ثم يجيب: ينشئ الناس دولا وأنظمة لإدارة شأنهم العام، ولتحسين حياة الناس”.