هل حزب القوات اللبنانية جزء من السلطة أم هو في صفوف الانتفاضة؟ تساؤل كان يصعب حسم الإجابة عليه في الأشهر الثلاثة الماضية، منذ إعلان وزراء القوات استقالتهم من الحكومة بعد يومين على انتفاضة 17 تشرين. يومها، بدا القواتيون وكأنهم يسيرون على دعسات الكتائب اللبنانية: لا هم قادرون على التغريد خارج “النظام السياسي” ولا استقبلوا في الشارع بحفاوة الأبطال. القوات هي القوات، حتى لو استبدل القناع بالآخر تماماً كما بقيت الكتائب مرفوضة نسبياً من المنتفضين أو المعارضين للطبقة الحاكمة، منذ ما قبل الانتفاضة، وتحديداً خلال الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها. رشق النائب سامي الجميل بالمياه وعزل بعض الكتائبيين في ساحة الشهداء دليل دامغ. ساهم ذلك في عدم إعلان القوات عن وجودها في الشارع وقطعها الطرقات، لأسباب سياسية أولاً وشعبية ثانياً.
‘القوات’ حسمت خيارها.. إلى جانب ‘الكتائب’: لا سلطة ولا معارضة!
تحت عنوان القوات إلى جانب الكتائب: لا سلطة ولا معارضة!، كتبت رلى ابراهيم في “الأخبار”: يقف حزب القوات اللبنانية للمرة الأولى الى جانب الكتائب اللبنانية، ليس من باب وحدة الصف طبعاً، إنما لخروجه من باب السلطة العريض واستحالة الترحيب به في الشارع… ولو حاول الدخول من كل نافذة متوفرة. لكن معراب حسمت أمرها “بالمعارضة من داخل المؤسسات”، وسط خلو أجندتها من أي مشروع سياسي جدّي.
فمجرد صبغ المنطقة التي تقطع فيها الطرقات بالبدلة الزيتية كان كفيلاً بفقدان “الثورة” لمصداقيتها ولجديّة مطالبها. وربما شكل ما سبق عنصراً أساسياً في تحديد القوات لموقعها، بعد تخبط ثلاثة أشهر ما بين الموالاة والمعارضة. بدا الأمر واضحاً في القرار الذي اتخذته معراب بحضور جلسة الثقة والتصويت سلبياً للحكومة رغم طلب المتظاهرين من النواب عدم حضور الجلسة. يطيب للقوات أن تصف حركتها بالـ “المعارضة من الداخل” لما يؤمنه ذلك من مفاوضات لاحقة في اللحظات السياسية المصيرية. يتعلق الأمر أيضاً بميزان الخسائر والربح الذي لم “يطبش” للجهة الرابحة، بل بقي على خط مستقيم. ففيما رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب سمير جعجع لم يتمكن من تحقيق أي ربح وازن جراء خروجه من الحكومة وانضمامه الى “الثوار”، حدّ من خسائره بعدم تمثيله في الحكومة الحالية.
منذ الثلاثاء الفائت، دار حديث عن نقمة قواتية داخلية تجاه حضور نواب الحزب لجلسة الثقة. لكن الواقع يبدد هذه الأقاويل ويحدها باعتراض هامشي لا يعوّل عليه. ويقول أحد النواب القواتيين إن المطلب الأساسي للحزبيين منذ ما قبل الجلسة كان التمنّي علينا “إما التوجه الى البرلمان لأداء الواجب النيابي بإعطاء الثقة أو حجبها أو الاستقالة. المشكلة كانت في وقوفنا بين الضفتين: نواب ومقررين ما نكون نواب. لذلك حسمنا أمر الحضور منذ أسبوع”. تعارض موقف القوات مع ما يريده بعض من في الشارع، نقطة إيجابية لصالح القوات بحسب رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور. فمن يُريد المقاطعة بنظره، كان يفترض ألا يشارك في استشارات التأليف والتكليف لأنها مسار متكامل. الحزب “يتخذ مواقفه انطلاقاً من قناعاته ورؤيته الوطنية وليس من خلفية شعبوية أو مسايرة لطرف من دون الآخر. كذلك كانت استقالاتنا قناعة منا وليس بطلب من الناس، كما أن مطالبتنا بحكومة اختصاصيين سبقت مطالبة الناس بها وبالتالي لم نسِر وراء أحد”. لا نية لتعليق العضوية القواتية في البرلمان، يؤكد جبور، “نحن دعاة تغيير من داخل المؤسسات وليس خارجها… التغيير الذي يطالب به الناس”.
إذاً، حسمت القوات خيارها في “الانتفاض” من داخل جدران ساحة النجمة، وفي انتظارها أعمال الحكومة لتحدد موقفها منها: “إذا نجحت في معالجة الوضع المالي سنصفق لها وإذا لم تنجح، تتحمل الأكثرية النيابية مسؤولية الانهيار”. وبين هذا وذاك، مشروع القوات السياسي معلّق الى أجل غير محدّد. ففعلياً، لا تأثير سياسياً لمعراب اليوم في المعادلة القائمة، وانتهى زمن مراقبة وزراء التيار الوطني الحر للانقضاض عليهم. ولو أن حرب “الشائعات” التي ينشرها موقع القوات اللبنانية عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بدأت لتوّها. وهي جاءت استكمالاً لعمل نواب ووزراء القوات في الحكومة السابقة الذين تفرغوا لإسقاط باسيل شعبياً، ولكنهم أسقطوا وزاراتهم من الرقابة والحسبان، إذ يصعب الوقوع على إنجاز واحد يلامس الشعب في وزارات تُعنى بالناس مباشرة كوزارة الشؤون الاجتماعية التي شغلها القواتيون لولايتين، ووزارة العمل.