لبنان الغريق المعلّق بقشة “النقد الدولي”، جاءته “قشة” من النوع الذي يقصم الظهر ويُغرق البلد أكثر فأكثر في وحول العزلة العربية والدولية. فبمعزل عن موقف كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري المحبذين للثقل الإيراني في الميزان اللبناني ربطاً بتحالفهما الوثيق مع “حزب الله”، لكنّ الأكيد، وبعيداً عن السياقات البروتوكولية للمشهد، أنّ رئيس الحكومة حسان دياب لم يكن ليحبّذ أن تأتيه باكورة التبريكات بتشكيل حكومته من طهران مع ما تعنيه من وصمة إيرانية سيكون من الصعب عليه التملّص منها أمام المجتمعين العربي والغربي. إنتظرها من بلاد العرب فأتته من بلاد العجم، لتسجَّل الزيارة الرسمية الأولى لمسؤول أجنبي إلى بيروت في مستهل ولايته الحكومية تلك التي قام بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني على مدى يومين من دون أي مسوّغ أو موجب لها خارج إطار ثلاثية التباهي بـ”رأسمال حزب الله الكبير” ودعوة عون إلى طهران والمباركة بـ”لبنان الجديد” كما وصفه الزائر الإيراني في معرض تهنئته بتشكيل حكومة دياب.
وهذا “اللبنان الجديد” الذي باتت تحدّه جغرافياً معالم إيرانية ظاهرة للعيان، من “جادة الإمام الخميني” التي تستقبل القادمين إليه جواً، إلى نصب قاسم سليماني عند آخر نقطة من الحدود البرية في مارون الراس، أضحى يخوض سباقاً وصراعاً وجودياً بين “الوصمة” الإيرانية التي تعمّق من أزمته وعزلته وتفليسته وبين “الوصفة” الدولية التي سيحملها وفد صندوق النقد إلى اللبنانيين للخروج من الأزمة وفك العزلة وإدارة التفليسة. فبعيداً عن الدعم الدعائي الذي نقله لاريجاني إلى اللبنانيين، وهو الأعلم قبل غيره أنه سيبقى دعماً غير قابل للصرف في ظل تعثر إيران نفسها وتخبطها في إدارة أزمتها الاقتصادية والمالية الحادة التي تكاد تحت وطأتها لا تستطيع تأمين الفيول ولا قطع الغيار لطائراتها المتهالكة، تشخص عيون السراي الحكومي إلى الدعم الحقيقي القابل للتحقّق على أرض الواقع وهو ذلك الذي تجسده “الذراع النقدية” للمجتمع الدولي وتستطيع تقديمه “عداً ونقداً” لحكومة دياب في حال التزمت “دفتر شروط الإصلاح” وقف الهدر والفساد في قطاعات الدولة وفي طليعتها قطاع الكهرباء، لا سيما وأنّ المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أكدت أمس في مقابلة مع “بلومبرغ” أنّ الفريق الذي سيصل الى لبنان من صندوق النقد لا تقتصر مهمته على شق المساعدة التقنية فحسب بل “سينظر في المساعدات المالية أيضاً إذا كنا مقتنعين بأن هناك جدية في النهج الذي تتبعه الحكومة”.
وبالانتظار، يواصل الانهيار في البلاد تقدّمه المتسارع على مختلف المستويات الحيوية والحياتية والمعيشية والاقتصادية والمالية على وقع ارتفاع منسوب الشحّ في السيولة النقدية بالعملة الأجنبية والتصاعد الجنوني في سعر صرف الدولار الذي يمعن في نهش العملة الوطنية وقد بلغ خلال الساعات الأخيرة عتبة الـ2500 ليرة، وسط عدم استبعاد المحللين الماليين والاقتصاديين أن تتفلّت الأمور من عقالها في سوق الصيارفة على وقع احتدام الكباش بين “العرض والطلب”.
وفي الغضون، عاد موضوع منح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “صلاحيات استثائية” إلى الواجهة مجدداً، إذ علمت “نداء الوطن” أنّ هذا الخيار تقدّم على خريطة السناريوات المطروحة لسبل التعامل مع الأزمة النقدية والمصرفية في البلد، خصوصاً وأنّ مصادر موثوقة نقلت معطيات من كواليس مرجعيات قوى الثامن من آذار تشي بأنّ “الأطراف التي كانت تعارض هذه الخطوة لم تعد بوارد معارضتها بعد اليوم لا بل هي أصبحت تميل إلى تأييد اعتمادها للحد من مستوى التدهور النقدي الحاصل”.
أما عن كيفية التعامل مع استحقاق سندات اليوروبوند في آذار المقبل، فتوقعت المصادر “أن يكون خيار دفع مبلغ أولي من مجمل المتوجب على الدولة مقابل إعادة جدولة السندات من بين الخيارات المطروحة على الطاولة مع وفد الشركات المعنية بهذه السندات الذي سيزور ممثلون عنها بيروت قريباً للتفاوض مع الحكومة اللبنانية حيال الموضوع”.