فهذا الملف بات المعيار والمقياس لمدى جدية لبنان في التعاطي مع أزمته المالية، لدى الدول المانحة والهيئات المالية المعنية بتمويل المشاريع أو بتصنيف لبنان الائتماني… بات إنهاء العجز في هذا القطاع الشرط الأول عند المجتمع الدولي، قبل مجرد البحث في أي مساعدة مالية “محتملة” للبلد، بعد تنفيذ شرط إنجاز موازنة 2020.
ما من سفير غربي، أو مسؤول دولي إلا وحفظ الأرقام المتعلقة بأزمة الكهرباء. أدنى الأرقام التي يعددها بعض السفراء هي أن عجز الكهرباء أكثر من 40 في المئة من عجز الموازنة، بعد أن تسبب لوحده بنمو الدين البالغ أكثر من 87 مليار دولار بزهاء 40 في المئة.
الاعتقاد السائد الآن هو أنه حتى لو صدقت الحكومة في تعيين الهيئة الناظمة في القطاع ومجلس إدارة شركة الكهرباء، خلال الـ 100 يوم الأولى من عمر الحكومة، وفق بيانها الوزاري، فإن تلبية هذين الشرطين، اللذين تلح عليهما دول مؤتمر “سيدر” من أجل ضمان الشفافية في تأهيل القطاع، لم تعد كافية من أجل الإقلاع بخطوة جوهرية تمهد للمعالجات المطلوبة.
ثمة توجه لدى أركان الحكم من خلال تفاهم الرؤساء الثلاثة، نحو تسريع الحلول عبر الصيغة التي قررتها حكومة الرئيس سعد الحريري بتلزيم إنشاء معمل إنتاج الكهرباء في الزهراني (مع احتمال تأجيل معمل سلعاتا وتسريع استكمال معمل دير عمار)، عبر تولي الحكومة التفاوض المباشر مع شركة “جنرال إلكتريك” (باتفاق بينها وبين شركة فرنسية) التي كانت قدمت عرضاً لمعالجة أزمة هذا القطاع منذ انعقاد مؤتمر “سيدر” العام 2018، جرى تكرار تفاصيله العام الماضي أثناء زيارة الحريري إلى فرنسا واجتماعه مع مجموعة المستثمرين الفرنسيين برعاية الرئيس إيمانويل ماكرون. ويقضي العرض بأن تبني “جنرال إلكتريك” المعمل بظرف سنة، على أن تستثمره لسنوات على طريقة B.O.T. أي أن تتولى تمويل إنشائه واسترداد الأموال من الجباية على مدى 15 أو 20 سنة، تسترده الدولة من بعدها.
باعتماد هذا الخيار الذي جرت عرقلته في السابق نتيجة روائح صفقات جرى التحضير لها، تتجنب الخزينة تمويل إنشاء المعمل، (زهاء مليار دولار)، وتتولى الحكومة مجتمعة، لا وزارة الطاقة وحدها، كما كانت الحال سابقاً، الإشراف على آلية التلزيم حتى لو أحيل الملف على إدارة المناقصات، وقدمت شركات أخرى عروضها، فيجري تسريع التلزيم بحيث يتم بأقل من 4 أشهر. ولا يستبعد هذا التوجه أن يوكل تأهيل شبكة توزيع الطاقة التي تناهز كلفتها الـ 500 مليون دولار لشركة أخرى.
ثمة عائق ينبه إليه الخبراء: أي شركة ستبني معمل الزهراني، ستستثمر جزءاً من كلفته وتقترض الجزء الأكبر من الخارج، لتسدده لاحقاً من الجباية، بالليرة اللبنانية، فهل ستتمكن من شراء العملات الأجنبية، ومن تحويل الأموال إلى الخارج وهل تكون أزمة السيولة بالعملة الأجنبية عند المصارف اللبنانية قد حلت بعد سنة؟