قد تُكشف النتائج النهائية هذا الأسبوع بعدما وضعت اللمسات الأخيرة عليها، وبذلك ستفتتح وزيرة العدل ولايتها الجديدة إما بمشروع إنصاف للثوار أو بمسرحية ركيكة بحسب الأسماء التي ستُعلن حينها، إذ أن كثرة الوعود لا تنفع مع الناس التي تنتظر الفعل لا القول على قاعدة “ألف دعوة ما مزّقت قميص وألف زلغوطة ما زوّجت عريس”.
“لا تشكيلات مثالية” وعنوان المرحلة “الكحل أحلى من العمى”، لكن معظم الخطوط العريضة لنوعيّة القضاة في التشكيلة المرتقبة تبني آمالاً كبيرة على جديّة مجلس القضاء الأعلى ورئيسه القاضي سهيل عبود والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات في العمل على فصل السلطة القضائية عن باقي السلطات. هذا وقد أجمع القضاة المستقلون الذين تحدثوا في الموضوع بتفاؤل غير مسبوق على أن القضاء في لبنان يمكنه فعلياً اليوم أن يخطو خطواته الأولى نحو التخلص من دائرة التأثيرات السياسية، إذا ما استطاع عبود وعويدات تشكيل جبهة إصرار تقضي بعدم الخضوع لسيطرة العهد الحاكم.
كل ما ذكر حتى الآن مجرد ايمان بقدرة رئيس مجلس القضاء الأعلى ومنوط به وحده، قد تحول دون ترجمته عوائق ومطبات تنفيذية وسياسية. وفي التنفيذ يتوقف المراقبون أمام اختبارات سابقة وعديدة للقاضي سهيل عبود، ويشيدون بصرامته وآرائه التقدّمية وكأن الأمور رست على ترجيح احتمال أن يبدأ القضاء معه مسيرة التحرر. ويقول أحد القضاة لنداء الوطن، إنه من المتوقع أن يعارض عبّود الأسماء المقترحة من مجلس القضاء الأعلى ويذهب إلى حد مخالفة قراراته بشكل علني اذا أصرّوا على التمسّك بالتعيينات السياسية أو قدموا له لائحة يُشك على أنها مرتبطة بشكل فادح بالزعامات التقليدية.
مع أن السوابق لا تشجع، ينتظر اللبنانيون لائحة تعيينات مفصلية تستحضر ضمن مقوماتها إصلاحاً حقيقياً وتعزيزاً لاستقلالية القضاء. والواقع يشابه قصّة جحا والسجن، إذ اعتُقل جحا متظاهراً من أجل نيل حقوقه وصار يطالب من داخل سجنه بالحرّية فما كان من السلطان الا أن وضع معه في الزنزانة أسداً، فنسي جحا الحرية والإستقلال وصار جلّ ما يريده سجناً لا أسد فيه، وجلّ ما يتمناه المواطن قطع مخالب أسود الأحزاب عن رقابهم، حتى لو كانت الأسماء البديلة ليست بالإستقلالية المنشودة. فهل سيتجاوب القاضي عبود ام لا؟! ذلك هو الرهان الذهبي.
وتفيد تلميحات محامين إلى أن هناك “تفاهماً” إن لم يكن ضماناً بشأن التقيد به، بين اركان السلطة الحالية وأغلب أعضاء مجلس القضاء الأعلى، مهما تم التعتيم على الأمر، فالوضع ليس “زهرياً” والتوافق على اللائحة النهائية “معركة” بكل ما تعني الكلمة من معنى. الحقيقة تقول ان هناك صراعاً بين الجبابرة و”كباشاً” بين القوى السياسية المتجذرة من جهة وبين القاضيين عبود وعويدات في الاتجاه المعاكس. لا استكانة لأقطاب الطوائف بخاصة القضاة الحزبيين المختبئين خلف حجّة الدفاع عن “مركز الطائفة”، فنجدهم الأشد اصراراً على النهج السابق للأمور، حيث يمكن توظيف أي تعيين كإنجاز ينزل في رصيد “التيار” الانتخابي. فلمن كلمة الفصل؟
في السياق، لا تزال القوى السياسية تصر على محاولات التدخل وإثارة حالة من الفرض بالقوة لقضاة ينتمون لأحزابهم، فمثلاً يُشاع في الوسط القضائي اصرار التيار الوطني الحر على التمسك ببقاء مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون في منصبها ودعم استبدال القاضي بيتر جرمانوس بقاضية تحقيق أول في طرابلس سمرندة نصار المحسوبة على التيّار. لا بل يضيفون أن ثمة احتمالاً للتخلي عن القاضية غادة عون اذا ما تم تغيير مدعي عام الجنوب القاضي رهيف رمضان، بمعادلة شخص مقابل آخر!
أسماء عديدة لقضاة من الطائفة المسيحية يرجح استبعادهم رغم استقلاليتهم وحيادهم وعدم انتمائهم لمرجعية سياسية، كالقاضيين نسيب ايليا وندى الأسمر اللذين يقال إنهما لن يحظيا بمنصب قاضي التحقيق الاول الارثوذكسي في جبل لبنان بدل القاضي نقولا منصور بالرغم من علو درجاتهما القضائية. كما يقال أنه سيكون هناك امتعاض ما لم يتم تعيين أي من القضاة اللاحزبيين كالقاضي فادي عقيقي، غسان خوري، فادي صوان، داني شبلي، بيار فرنسيس وفادي عنيسي رغم تفوقهم جميعاً بالدرجات القضائية على القضاة المطروحين كالقاضيين كلود غانم في مركز مفوضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية بدل بيتر جرمانوس والقاضي ايلي الحلو النائب العام في جبل لبنان بدلاً من القاضية غادة عون
ستجيب الأيام المقبلة عما إذا سيحتفظ ملوك الطوائف بنفوذهم داخل الجسم القضائي، أو ستخفّ التدخلات بشكل سطحي فقط، اذ يستمر الجدل في اروقة العدليّة عما إذا ستحافظ التعيينات “السنية” و”الدرزية” و”الشيعية” على التبعية للحريري وجنبلاط وبري؟ فهل سيستمر مستشار سعد الحريري، القاضي هاني الحجار في مهامه في المحكمة العسكرية؟ وهل فعلا سيتم تعيين القاضي رجا حاموش في منصب مدعي عام بيروت؟ ماذا عن تعيين القاضية نجاة أبو شقرا كقاضي تحقيق أول عسكري في ظل دعم الحزب الإشتراكي الواضح لها؟ وعن تعيين القاضي زاهر حمادة المدعوم من الرئيس بري لمنصب مدعي عام الجنوب وهو الذي لم يحل ملف هنيبعل القذافي إلى المجلس العدلي كما احتفظ بحق توقيفه مدة طال أمدها!
فالجدير بالذكر أن كل الأقطاب الذين تركوا السلطة الوزارية لتنفرد بها قوى 8 آذار هم فعلياً ما زالوا في موقع نفوذ وحكم في الجسم القضائي ما عدا حزب القوات اللبنانية الذي يسجل له عدم تدخله في التعيينات السابقة.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا