كتب وليد شقير في “نداء الوطن”: لا شك أن التظاهر أمام مصرف لبنان احتجاجاً على كل الإجراءات التي تتخذها المصارف حيال سحوبات المودعين وتقنين بعضها حصول الموظفين حتى على رواتبهم الشعبية، وللمطالبة بالكشف عمن حوّل من أصحاب المصارف وغيرهم أموالاً طائلة إلى الخارج، له مردود شعبي يسعى “التيار الوطني الحر” إلى اكتسابه بالتوازي مع استهدافه في التظاهرات التي نفذها الثوار منذ 17 تشرين الأول الماضي. فرئيس “التيار الحر” الوزير السابق جبران باسيل نال القسط الأكبر من الاتهامات من بين رموز الطبقة السياسية، التي حاول معظمهم التخفيف من النقمة عليهم بتأييد انتفاضة اللبنانيين ضد الفساد والهدر واقتسام المغانم التي أوصلت البلاد إلى المأزق الاقتصادي الحالي.
سبق لمجموعات من الثوار أن لقيت تعاطفاً واسعاً حين أطلقت شعار “فليسقط حكم المصرف”، على رغم ردّ الفعل السلبي عند شريحة من المتعاطفين، إزاء تحطيم واجهات بعض المصارف وآلات سحب العملة الورقية.
وقد يكون مفيداً الضغط الشعبي لاسترجاع أموال سحبت إلى الخارج من قبل بعض كبار المتمولين والمصرفيين، حتى لو لم تكن من الأموال المنهوبة والمسروقة، بعد التأكد من أن تحويلها لم يكن لتسديد بعض الاستحقاقات أو بعض الأرصدة العائدة لغرض الاستيراد. فاستعادتها قد تخفف من ضغط النقص في السيولة على صغار المودعين، وحتى على التحويلات إلى الخارج من قبل المستوردين، أو من أهالي الطلاب الذين يحصّلون علمهم في جامعات أجنبية.
لكن السؤال عن مغزى تظاهر “التيار الحر” يعود إلى استغراب قيام الفريق الذي يتولى السلطة الاحتجاج ضد من شاركهم وشاركوه خلال 3 سنوات مضت، في الكثير من المكاسب والمغانم. والمفارقة التي تتردد في الوسطين السياسي والإعلامي عن تظاهر من هو في السلطة ضدها مشروع ويحتاج إلى تبرير وتفسير.
يحتاج باسيل إلى شيء من الضوضاء والأضواء التي اعتاد على أن يلعب دوره في ظلها. الضوضاء في الشارع سواء من أجل ممارسة الضغوط لتحقيق هدف سياسي كما سبق أن حصل من أجل الترويج لنظرية الرئيس القوي. والأضواء في الإعلام إما من أجل مصادرة شعارات الآخرين، أو بهدف تضخيم الدور، بعدما سلبت منه الانتفاضة كل الشعارات التي في ظلها جرت المحاصصة السياسية وتوابعها ونتائجها على الاقتصاد الوطني والمالية العامة. هل أن التظاهر هذه المرة أمام مصرف لبنان رد على مرافعة زعيم تيار “المستقبل” ضد “رئيس الظل”، بالتوجه نحو مؤسسة محسوبة على الحريرية السياسية؟ فالانطباع السائد عما يعتمل في داخل “التيار” بعد انفجار الخلاف بين الحريري وباسيل أن الأخير يشعر بحالة خيبة، لأنه لا يطيق البقاء خارج السلطة، يمارسها باسمه وباسم الرئيس ميشال عون وباسم حليفه “حزب الله” وباسم تياره أيضاً، في وقت هناك من أخذ يسائله من محيطه المباشر: كيف ستتابعون الحكم في السنوات الثلاث المقبلة، بعد أن انفرط عقد التسوية التي بنيت على حكم الأقوياء في الرئاسات الثلاث، وبعد أن خرج السني القوي من السلطة؟ فالمعارك التي خاضها قضت على نظرية “الميثاقية” المفتعلة بمعاداته الحريري ومحاولته لي ذراعه. كما أن الانطباع السائد عند العارفين ببواطن الأمور أن باسيل لم يغادر حلم الرئاسة الأولى على رغم ما حصل، بعدما أدت الانتفاضة وما سبقها وتبعها إلى تبديد هذا الحلم. وهذا ما يفسر وفق هؤلاء قوله في رده على الحريري إنه ما زال يأمل بأن “يرجع يجمعنا التفاهم الوطني“.
أم أن التظاهر هو رد على اتجاه أخذ يتبلور من أجل وضع اليد على حل أزمة الكهرباء وفق مقاييس لا تأخذ في الاعتبار الأسلوب الباسيلي في معالجة هذا الملف الفضيحة الذي راكم الدين العام خلال السنوات الماضية، وسط معطيات بأن رئيس البرلمان نبيه بري يسعى إلى حل له بالتعاون مع الرئيس حسان دياب، وفق مقاييس دول “سيدر”؟