تظاهرة الخديعة العونية تصطدم بالجنبلاطيين: التفاهة في الشارع

البداهة تقتضي عدم اعتراض السلطة على السلطة في الشارع

21 فبراير 2020آخر تحديث :
تظاهرة الخديعة العونية تصطدم بالجنبلاطيين: التفاهة في الشارع
وليد حسين
وليد حسين

انتهت تظاهرة التيار الوطني الحر أمام مصرف لبنان في شارع الحمراء يوم الخميس في 20 شباط، كما كان متوقعاً: تراشق بالحجارة وتبادل الشتائم بين بعض الشبان العونيين وآخرين من الحزب التقدمي الاشتراكي. فقد سبق هذه الدعوة تبادل رسائل نصية تفيد أن الاشتراكي دعا مناصريه إلى التجمع على مفترقات الطرق المؤدية إلى كليمنصو، لأن هناك نوايا عند بعض الشباب العونيين تسيير تظاهرة إلى أمام منزل وليد جنبلاط.

صمت الريبة
في البداية كانت الأمسية العونية أمام المصرف عادية لأكثر من ساعة على بدء التجمع في الخامسة مساء. نحو ثلاثمئة متظاهر جلهّم من الجيل العوني المسن مع قليل من الشبان. تظاهرة مفتعلة وهزيلة غابت عنها حتى الأعلام اللبنانية التي دعا التيار إلى رفعها بدلاً من عن أعلامه الحزبية. لا أعلام ولا هتافات ولا لافتات ولا شعارات، سوى لافتة كتب عليها: “حقنا نعرف حقنا نردن”.

هناك شاب التف بالعلم اللبناني، لكنه رفع طوال الوقت بطاقة انتسابه إلى التيار، كأنه يدفع شبهة ما عنه، أو غير مصدق أن تياره يتظاهر في شارع الحمراء أمام مصرف لبنان. وحملة الأجهزة اللاسلكية كانوا كثيرين، وتشي هيئتهم أنهم من قلب “التنظيم” أو باطنه. والعابر يكاد يتساءل: لماذا يتظاهر هؤلاء، ماذا يريدون، لماذا هم صامتون هكذا، وهل هم يتظاهرون حقاً، ما الهدف من هذه تظاهرتهم التي لم تخرج منها كلمة واحدة ضد المصرف المركزي وحاكمه؟!

حتى اللافتة الوحيدة الهزيلة التي رفعها رجل طاعن في السن، خط عليها “الحاكم بأمر المال”، بعدما احتار كثيراً ماذا يمكن أن يكتب عليها. ولعله استعان بمدرس عتيق للتاريخ، فاقترح عليه عبارة “بيت المال”، فحورها إلى حاكم المال.

ولم يكتشف أحد الجدوى من التظاهرة.

الجمود العوني
لكن ما منح التظاهرة العونية شيئاً من الحيوية وأخرجها من جمودها الصنمي، أن بعض المحتجين كانوا قد استبقوا وصولهم إلى المصرف المركزي، وعلقوا على حائطه الخارجي لافتات برتقالية اللون وزينوها بالأسود، وكتبوا عليها شعارات مثل “حدن بيتظاهر ضد حالو؟” و”مين مدد لرياض سلامة؟”، و”موالاة؟ ومعارضة؟!”، و”التمديد مقابل ترخيص سيدروس بنك وتعيينات في الميدل إيست وأنترا”. وهذه جميعها مذيلة بشعار “لبنان ينتفض”. وهكذا بدت المسافة شاسعة بين حيوية كاتبي هذه الشعارات وسرعة بديهتهم وذكائهم، وبين البله والجمود العونيين.

محتجو “لبنان ينتفض” بشعاراتهم ظهّروا فصام التيار العوني: القبض على السلطة، كأنها غنيمة، والاعتراض عليها في الشارع من بوابة حاكم مصرف لبنان فقط، ربما لأن المنصب ليس من غنيمتهم بعد. وهذه المعادلة كان قد أرساها العهد السوري الأسدي في لبنان.

ظهور الاشتراكيين
بعد أكثر من ساعة على وقوف العونيين المتظاهرين على هذا النحو المضجر، غادرتُ المكان محاولاً العثور على فكرة ما للتعليق عليها. فجأة صادفت تظاهرة كبيرة يندفع المتظاهرون فيها بغضب عند آخر شارع القنطاري. ركنت سيارتي جانباً لأستطلع المشهد، فإذا بأكثر من ألف متظاهر يهتفون: “الله، جنرال عون، وبس”، مرفوقة بشتم حاكم مصرف لبنان. استفسرت منهم عن سبب هذا الغضب والتأخر عن الوصول إلى أمام المركزي، فأفادت كثرة منهم: “الإشتراكيين منعونا نوصل، وقفونا حد الفينيسيا”.

في الشارع المقابل كان بعض الشبان من الحزب التقدمي الاشتراكي يترصدون المتظاهرين العونيين، وانهالوا عليهم بالحجارة أمام مفترق “الأنتوورك”. تدخل الجيش ومكافحة الشغب وأمنوا لهم الطريق لموافاة أقرانهم أمام المركزي. وعند مفترق الصنائع فصل الجيش والمكافحة بين الشارعين: شارع للعونيين وهم يهتفون “الله، جنرال عون، وبس”، وشارع للاشتراكيين وهم يشتمون رئيس الجمهورية: “ك… أختك ميشال عون”، ومثلها للوزير جبران باسيل.

في مقلب العونيين راح شبان يتجمعون للانطلاق لتحرير بعض الشبان المحتجزين عند آخر نزلة القنطاري. وحاولوا تخطي القوى الأمنية، فتدخل المسؤولون العونيون وهدأوا من روعهم، قائلين لهم إن القوى الأمنية ستعالج المشكلة، وستأتي بالشبان المحتجزين. لكن الهذيان حمل أحدهم على القول: “مش مكسر عصا نحنا… بدنا ن..ك اختن… بكرا كمشو كم درزي واقتلوهم”. وقال آخر: “خليهن ينزلو ع عين الرمانة تا نفرجيهن لأخوات الش…”

في المقلب الآخر لم يكن المشهد أفضل حالاً. نستفسر من بعضهم عن الإشكال الذي وقع فيبادر أحدهم: “كل واحد بدو يتمن… ع وليد جنبلاط بدنا نقطملو رقبتو”. آخر أقل غضباً ويستعرض فتوته، قال: “استفزنا سائق السيارة شاهراً شارة العونية بيده عند تقاطع القنطاري، فهجمنا عليه وحطمنا سيارته”.

بعد نحو نصف ساعة من الغضب صعد أحد الشبان على جدار مقابل مبنى أريسكو بالاس، واستفز الشبان الاشتراكيين ورشقهم بالحجارة. فجرى تبادل الحجارة بينهم، وتدخل الجيش وأبعد الطرفين مسافة بعيدة، واقتصرت الخسائر على بعض إصابات طفيفة بين عناصر الجيش والصحافيين.

الخديعة العونية
في التحرك العوني هذا، لم يكن واضحاً لماذا جاء في دعوته المناصرين أن يرفعوا العلم اللبناني حصراً. ربما لإيهام اللبنانيين أن العونيين مثل المنتفضين منذ أكثر من أشهر أربعة بسبب السياسات المالية والهدر والفساد وتقاسم السلطة بين أحزابها وعلى رأسها العونيين. وربما لخداع الجمهور العوني بأن الرئيس عون وصهره جزء من الانتفاضة للإصلاح والتغيير، على ما دأب مسؤولوه القول طوال هذه الأشهر لتبرئة ساحاتهم من مأساة اللبنانيين التي دفعتهم إلى الساحات رافعين الأعلام اللبنانية توحيداً للمطالب والمصاب الكارثي.

ربما يسعى التيار العوني من هذا التحرك إلى نفض يده من الحكومة والتنصل منها، وإيهام جمهوره واللبنانيين أنه لم يرصف مداميكها حجراً حجراً. وهو يريد خوض معركة علنية بوصفه معارضاً في الشارع، لإعادة لململة صفوف جمهوره المتضعضع بفعل ضربات “الهيلا هيلا هو”. أما في معاركه السرية فيحرك الحكومة ويفرض أجنداته عليها خلف الستار.

بمعنى آخر يريد الرهط العوني عدم تحمل تبعات الانهيار الحاصل، ولا الإجراءات المؤلمة التي ستقدم عليها الحكومة التي يستعملها العونيون متراساً لتلقي انتقادات المواطنين واحتجاجاتهم.

أيقن التيار أنه لن يتمكن من إزاحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي عادت الحكومة الحالية وثبتته كأحد أعمدة النظام. لذا، قرر جبران باسيل خوض معركة التضييق على سلامة، بعدما كان قد وافق على التجديد له منذ سنتين. وللتحرك الباسيلي هدف آخر أيضاً:  الضغط على سلامة لتحصيل مكاسب في شركة طيران الشرق الأوسط، عبر إقالة رئيس مجلس إدارتها محمد الحوت. ولطالما طمح التيار بوضع إصبعه داخل هذه المؤسسة “المربحة”. وقد أمعن مسؤولون فيه بالتصويب على الحوت تزامنا مع قرار الشركة حصر قبول دفع سعر بطاقات السفر بالدولار. لكن سرعان ما تراجع الحوت عن القرار واهباً التيار مكسب إسقاط القرار قبل مرور 24 ساعة عليه. إذ ظن الجمهور العوني أن إلغاء القرار أتى بفعل تغريدة جبران باسيل الذي دعا فيها التيار لتقديم إخبار بالشركة.

في هذا التحرك العوني الذي انتهى برشق الحجارة بين حزبين، شد العونيون والاشتراكيون عصب شبانهم وبعض جمهورهم ربما. فتدخلت القيادات، كالعادة، للتهدئة.

وبعيدا من كون البداهة تقتضي عدم اعتراض السلطة على السلطة في الشارع، فإن ما يقدم عليه أقطاب السلطة هو محاولة قتل السياسة في لبنان. فأحزاب السلطة التي تقتل اللبنانيين اقتصادياً واجتماعياً ومالياً، تندفع إلى الشارع للاعتراض على … من يا ترى؟!

كم تشبه حالتنا المثل القائل: “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

المصدر المدن