تحت عنوان الحاكم يريد إسقاط الحاكم كتبت “نداء الوطن” ماذا يريد “التيار الوطني”؟ ما الذي دفعه إلى الشارع “بهالحشرة”؟ كل الأحزاب والتيارات منكفئة عن الميدان لكي لا تزيد طين الشوارع بلّة إلا التيار العوني لا ينفك “يحركش” هنا و”يفركش” هناك، تارةً يصوّب على الحراك الشعبي ويتهمه بقبض الأموال من السفارات، وتارةً يركب على أكتاف هذا الحراك ويقتبس شعاراته ويروّج لـ”وحدة الحال” بينهما! تارةً يستهدف زعيماً وتارةً يستفزّ جمهوراً حزبياً، و”على الطالعة والنازلة” يدقّ بوليد جنبلاط ويهدد السلم الأهلي المسيحي – الدرزي، من حادثة قبرشمون التي كادت تعيد إشعال فتيل فتنة الجبل، إلى حادثة الحمرا بالأمس عبر استدراج “الاشتراكي” إلى لعبة الشارع والشارع المضاد.
وإذا كانت “موقعة كليمنصو” مساءً جاءت عرضاً على ضفاف أجندة التحرك العوني وسرعان ما وأد جنبلاط غليانها، فإنّ الهدف الأساس من وراء هذه الأجندة كان ولا يزال يصب في خانة الاستهداف الشخصي والسياسي (لا المطلبي) لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة على قاعدة “قوم لأقعد مطرحك”… ودائماً منصور بطيش جاهز ليملأ الفراغ.
هي حرب “الحاكمين”… “التيار” الحاكم بأمر البلد، والحاكم بأمر المال في البلد. الأول يريد إسقاط الثاني وقد وجد فرصته للانقضاض عليه تحت وطأة النقمة الشعبية العارمة على سوء الأداء المالي والنقدي والمصرفي في الحاكمية، فكان القرار العوني بالحشد الشعبي أمام المصرف المركزي بالتوازي مع تسليط جميع فوهات بنادق “التيار الوطني” نيابياً وإعلامياً وسياسياً باتجاه رأس سلامة. وأمس استرعى الانتباه تغيّب الحاكم عن اجتماع لجنة المال والموازنة، حيث علمت “نداء الوطن” أنّ اللجنة ونتيجةً لهذا التغيّب، طلبت من موفدي المصرف المركزي الذين حضروا الاجتماع أن يقدّم موازنته وكل الأرقام الدقيقة لأرباح المصرف وخسائره ضمن مهلة 48 ساعة تحت طائل اعتبار مصرف لبنان متخلفاً عن التجاوب مع مجلس النواب.
وفي الغضون، تتجه الأنظار إلى ما ستخلص إليه مهمة وفد صندوق النقد الدولي في بيروت والتي استهلها أمس بسلسلة لقاءات مع المسؤولين لجوجلة الأفكار حيال سبل إخراج لبنان من ورطته الاقتصادية والنقدية، في وقت لا تزال الحكومة غير حاسمة في مسألة كيفية التعامل مع استحقاق سندات اليوروبوندز، وهذا مرده بحسب ما أوضحت مصادر السراي الحكومي لـ”نداء الوطن” إلى أنّ “هذه الحكومة تولت زمام الحكم وهي لا تملك أي رقم أو معطيات دقيقة عن الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية في البلد”، وأضافت: “من هنا طلبنا تزويدنا بكل الأرقام الحقيقية والنهائية والواقعية، بينما تنتظر رئاسة الحكومة إنجاز وزارة المال المناقصة التي سترسو على الاستشاري المالي الذي سيقيّم الأرقام ويقدّم تقريره بذلك وبناءً على هذا التقرير، وبالقياس على ما يتناسب مع لبنان وما سيخرج عن اللجان المعنية التي تكثف اجتماعاتها، ستتخذ الدولة اللبنانية القرار الأنسب لناحية دفع السندات أو عدم الدفع أو الاتجاه نحو الدمج بين هيكلة الديون وإعادة جدولة السندات”.
وفد صندوق النقد الذي يستكمل لقاءاته اليوم على أن ينهي زيارته اللبنانية غداً، كان قد التقى رئيس الحكومة حسان دياب في مستهل جولته أمس فجرى خلال الاجتماع “استعراض للواقع المالي والاقتصادي”، ونقلت مصادر المجتمعين لـ”نداء الوطن” أنّ دياب “شرح للوفد الدولي أنّ لبنان بصدد إنجاز خطة اقتصادية تتماشى مع الواقع القائم وأبلغه أنه بصدد الاستعانة بخبراء لمقاربة الوضع المتأزم بطريقة واقعية تمهيداً للمضي قدماً نحو الحلول”.
أما حاكم المصرف المركزي، فأفادت مصادر واسعة الاطلاع “نداء الوطن” بأنه قدّم عرضاً موجزاً أمام أعضاء وفد صندوق النقد “لمسببات ما وصل إليه لبنان من واقع نقدي مشدداً على أهمية استعادة الثقة بالبلد وقطاعه المصرفي بعدما اهتزّ الاستقرار النقدي فيه”، مشيرةً إلى أنّ سلامة أكد “وجوب تنظيم لبنان عملية سداد ديونه”، شارحاً في الوقت عينه “مسألة تدهور سعر صرف الليرة ووجود سعرين لصرف الدولار في السوق اللبناني، وتطرق إلى كون خروج رؤوس الأموال بشكل منظّم وقانوني من البلد أرخى بثقله على الوضع النقدي سواءً بالنسبة لسعر الصرف أو لناحية شح السيولة بالعملة الأجنبية”.
بدوره، شرح رئيس لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي سمير حمود طبيعة مهمة وفد صندوق النقد الدولي في لبنان فقال إثر اجتماعه بأعضاء الوفد أمس لـ”نداء الوطن”: “كان واضحاً أنّ صندوق النقد لم يأتِ إلى بيروت لإسداء النصيحة أو الرأي في ما إذا كان على الدولة اللبنانية سداد أو عدم سداد سندات “اليوروبوند” ولا هذا أساساً من صلب مهمته وعمله، إنما وفد الصندوق أتى لمعاينة الأزمة النقدية والمالية والمصرفية في البلد، وكيف يمكن إعادة رسملة المصارف وإعادة نوع من التوازن للمالية العامة والاقتصاد الوطني”.
ورداً على سؤال، أجاب حمود: “كان أعضاء وفد صندوق النقد حريصين جداً جداً وقلقين في الوقت عينه لكونها التجربة الأولى للبنان في مواجهة هكذا انخفاض كبير بحجم الاقتصاد والناتج القومي”، لافتاً إلى أنّ صندوق النقد “يبدي حرصاً على إيجاد برنامج لإعادة رسملة المصارف، وسط ارتفاع منسوب القلق من عدم قابلية تحرير المصارف في ظل عدم القدرة على تحويل الدولار إلى الخارج مقابل عدم دخول الدولار إلى البلد ووجود سعرين للصرف في السوق”، وختم: “على كل حال كانت جولة نقاش أولية وسنعقد اجتماعات أخرى مع الوفد لاستكمال البحث”.