إفتتح اللقاء بالنشيد الوطني، أعقبه عرض فيديو عن التحركات الاحتجاجية الشعبية، وقدمته الإعلامية ألين حلاق، ثم ألقيت كلمات مباشرة من ساحات الحراك في مناطق: البقاع، صور، برجا، حاصبيا، النبطية، عاليه، خلدة، كفررمان، طرابلس، عكار، صيدا وجبيل، وكلمات لكل من الصحافي الاقتصادي محمد زبيب عن البعد الاقتصادي، الناشطة إلهام مبارك عن البعد الاجتماعي، عضو لجنة محامي الدفاع عن المتظاهرين المحامية مايا الدغيدي عن القمع والاعتقال، المحامي واصف الحركة عن ملفات الفساد وعضو “لقاء التغيير” من أجل لبنان ديمقراطي بشار القوتلي.
وختاما، تلا كل من جمال عيسى ومحمد بزيع إعلانا سياسيا باسم اللقاء، وفي ما يلي نصه كاملا:
“بعد مئة عام من عمر لبنان، ثبت أنه ولادة أزمات، بلا حلول مجدية، وأنه أسير تسويات عابرة، تحتاج كل تسوية منها إلى تسوية تليها، كما أنه أسير ثقافات بائسة، نمت في تربة طائفية ومذهبية، عبر النظام السياسي بتبعيته عنها، من خلال صيغ ثبت فشلها وتأكدت كارثيتها، وأنه أنشأ زبائنية التحاقية، تفشت في حقول وقطاعات كاملة، ومحكوم بزعامات وسلالات متوارثة وموروثة، أفسدت التمثيل السليم، وأنه كيان يقوم اقتصاده على قطاعات هشة وريعية مشبوهة، ورأسمالية طفيلية، قسمت الشعب إلى أثرياء قلة وبؤساء كثر، وأنه معاد عنيد للمواطنة، وأكثر عنادا للدولة المدنية، وأنه فاقد السيادة، ومستعص على الإصلاح ومضاد للمؤسسات، ومستحوذ على نمط فساد وإفساد لا مثيل لهما، وأنه مرتهن لقوى خارجية، تتناوب على التدخل بسياساته بدعوات الأهواء الطائفية، وأنه يتعامل مع مؤسساته كافة، كأنها إقطاع مكرس عرفا وتطبيقا، وأنه يرتطم بذاته “ومكوناته” وكياناته، وأن دستوره نص على رف، وأن قوانينه نصوص بحبر فقط، وأنه يكتنز عنفا كبيرا، يكبت بقرار وينفجر بقرار، لبنان هذا، كما نتوقع، شارف على نهاية مئويته الأولى، بفشل مريع، أوصله إلى القاع السياسي والهوة الاقتصادية، بحيث أن مستقبله القريب، يقترب يوما بعد يوم من الجوع والإفلاس والعبث، ويزيد من خطورة هذا الوضع، وجود عدو صهيوني، يحتل جزءا من أرضه بدعم أميركي، ويتحين الفرص للعدوان عليه.
في هذا الزمن المأزوم، انفجرت انتفاضة ثورية للتغيير، على كل ما في البلد من مصائب ومصاعب وكوارث. لقد تجرأ اللبنانيون في 17 تشرين الأول، على رسم صورة لبنان الديمقراطي الذي يريدون، مطالبين بتكنيس من تولى ويتولى السلطة ويديرها ويقضي فيها ويثرى منها ويسوس بها…جيل وضع نقطة على نهاية مئة عام، وبدأ بكتابة نص آخر للبنان جديد، لا يشبه لبنان الأول أبدا.
ولم تكتف السلطة السياسية الفاسدة، بما ارتكبته من جرائم في إفقار الشعب وتهجيره ونهبه، فها هي تمعن في ممارسة قبضتها الأمنية، عبر مسلسل الاعتقالات والاعتداءات على رموز الانتفاضة ونشطائها، تهربا من تحمل المسؤولية والمحاسبة، الأمر الذي لن يرهب الانتفاضة، بل سيزيدها قوة وتصميما على المضي قدما من أجل التغيير…
وتأسيسا على كل ما تقدم، تداعت قوى ومجموعات وأحزاب وساحات وكفاءات ومناضلون ومناضلات، لرسم خريطة طريق للبنان الجديد، وهي مهمة تتطلب بداية قوية وأفقا واسعا. فالانتفاضة مستمرة، والواجب يقتضي حمايتها وتصعيدها، والمرحلة المقبلة صعبة، وتتطلب تضافر القوى النضالية كافة، لتحميل تحالف رأس المال والسلطة والطبقة المنتفعة من توظيف ملايينها في عمليات ريعية مشبوهة، تبعات الانهيار الاقتصادي والمالي وما يترتب عليها، بدلا من تدفيع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود من اللبنانيين، أثمان الأزمة. وعليه، فإن من مهام الانتفاضة، العمل الدؤوب لإعادة تشكيل السلطة وتحقيق الانتقال السلمي من دولة الطوائفيات المتحدة والقوى، التي أفسدت الحياة السياسية واغتالتها، ووظفت مواقعها لاستثمار الزبائنية، تمثيلا ونفوذا ونهبا وهدرا، ضاربة عرض الحائط، أبسط واجبات الدولة، على الصعد كافة…إلى دولة وطنية مدنية وديمقراطية.
لذلك نحن الأحزاب والشخصيات السياسية والهيئات والتجمعات الشبابية والنسائية والمدنية والنقابية والمهنية، ذات الانتماءات الشعبية والفئات الاجتماعية المتنوعة، من كل لبنان ومن خارج منظومة السلطة السياسية، وبعد أن شبكنا الأيدي في رحاب الانتفاضة الشعبية المستمرة في الساحات، منذ حوالي أربعة أشهر، نعلن عن قرارنا بتنسيق جهودنا وتجميعها في إطار “لقاء التغيير” – من أجل لبنان ديمقراطي – وفق أولويات الأهداف والعناوين البرنامجية الآتية:
1- تصعيد الانتفاضة الشعبية، التي ثبت أن لها من القوة والتأثير، كي تستمر في بناء قواها، رفضا لسياسات الحكومة الجديدة، التي جاءت ممثلة لنظام المحاصصة الطائفية، والتي لم تحصل على ثقة الساحات الشعبية، والمضي قدما لتحقيق التغيير الشامل للسلطة ونظامها السياسي والاقتصادي.
2- الالتزام بتطهير القضاء وتحريره، كما سائر مؤسسات الدولة، من التبعية السياسية والطائفية، من خلال إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، ورفع أيدي قوى السلطة عن سائر إدارات الدولة ومؤسساتها، واسترداد الأموال والأملاك العامة المنهوبة، وضبط مزاريب الهدر، ومحاكمة المسؤولين الفاسدين، الذين تعاقبوا على السلطة منذ التسعينيات بعد رفع الحصانة عنهم، والسرية المصرفية عن حساباتهم وتجميدها.
3- الالتزام بحماية مصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، في كل ما يتعلق بانهيار سعر صرف الليرة، وانعكاسات ذلك على القوة الشرائية للأجر والمداخيل ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، للعمال والموظفين والأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائر الصناديق الضامنة، وكل ما يتعلق كذلك بتداعيات إعادة هيكلة الدين العام وآثاره المتوقعة على الودائع والإدخارات المصرفية، لا سيما الصغيرة والمتوسطة منها، وتحميل كلفة هذه الانعكاسات والتداعيات، لكل من انتفع واستفاد وراكم الأرباح السهلة والكبيرة، وهربها إلى الخارج، متلطيا وراء السياسات العامة النقدية والمالية المتعاقبة، بما فيها الهندسات المالية السيئة الذكر.
4- تعزيز دور الدولة في مجال الرعاية الاجتماعية – وبخاصة لجهة تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتعزيز جودة التعليم الرسمي – والحؤول دون خصخصة المرافق والمؤسسات العامة، وتحسين حجم الخدمات العامة ونوعيتها، وتطبيق الضريبة التصاعدية على أرباح الشركات والريوع والثروات الكبيرة، واستحداث ضريبة تصاعدية موحدة، على إجمالي مصادر الدخل، ومكافحة الاحتكارات وإلغاء الوكالات الحصرية وتفكيك شبكة المصالح الخاصة، التي تربط ما بين أهل السياسة وأصحاب المال.
5- التمسك ببناء اقتصاد وطني منتج، بديلا من الاقتصاد الريعي، بما يتيح استثمار ما تبقى من موارد ومزايا نسبية واعدة في أنشطة الزراعة والصناعة والخدمات، ذات القيمة المضافة العالية، ويعزز التكامل الاقتصادي مع دول الجوار العربي، في حقول الإنتاج والتبادل والتقسيم المثمر للعمل، ويؤمن فرص عمل لائقة للشباب والشابات وخريجي الجامعات، ويحد من الفقر والبطالة والهجرة في صفوفهم، وتعديل اتفاقات التجارة الحرة، التي وقع عليها لبنان، والتي تضر باقتصاده الوطني.
6- العمل الجاد لصيانة الحريات العامة، التي تتقلص، ويبدو أنها سوف تكون مرشحة للمزيد من التقلص، كلما تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ومنع القبضة الأمنية من ممارسة أي عنف ضد الشعب، في شرائحه المنتفضة والثائرة بسلمية مكشوفة ومبرهن عليها.
7- العمل الجاد والصارم وبلا هوادة، لاستئصال نظام المحاصة الطائفية وتبعيته للرأسمال، الذي لم يكف يوما عن توليد الأزمات واستثمارها من قبل السلالات الحاكمة، والتي أدت إلى تعطيل النظم الإجرائية الرسمية الناظمة لحياة اللبنانيين، فحولت الدولة إلى ركام سياسي وإداري وقضائي واقتصادي واجتماعي، فقد فيها البلد مقومات الانتظام العام.
8- الالتزام بتغيير السلطة السياسية المرتهنة للخارج، التي حرمت البلد المسار السلمي والديمقراطي، فصادرت، بتبعيتها وفسادها ونزاعاتها، الحياة السياسية، وتقاسمت وبددت المرافق والموارد والأصول العامة، حتى سدت على لبنان المنافذ، فغرق في الديون والعجز والإفلاس والخراب.
9- تحرير القرار السياسي للسلطة اللبنانية من أي تبعية للخارج، عبر إقامة دولة وطنية قادرة على مقاومة العدو الصهيوني، مع حق شعبنا اللبناني بالمقاومة لتحرير المناطق المحتلة، ووجوب توفير الدولة كل مقومات الصمود الشعبي السياسي والاقتصادي، لمقاومة الضغوط والتدخلات الخارجية.
10- دعم مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني ومشاريع تصفية قضيته، تأمينا لحقوقه الوطنية المشروعة، بالعودة وتقرير المصير وإسقاط صفقة القرن، ودعم نضالات وتحركات شعوبنا العربية، من أجل تحقيق تحررها الوطني والاجتماعي.
11- إقرار قانون انتخاب قائم على النسبية خارج القيد الطائفي، على صورة ومثال الانتفاضة الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، وتطبيقا للمادة 22 من الدستور وسائر المواد الدستورية، ذات الصلة، بإلغاء الطائفية، وإجراء انتخابات نيابية على أساسه، وتحت الإشراف الكامل لهيئة وطنية مستقلة، وبما يضمن صحة التمثيل وشفافية الانتخابات، بعيدا عن تأثيرات المال السياسي والتنفيعات الانتخابية، مع تفعيل مشاركة الشباب والنساء وسائر القوى الشعبية والوطنية، في الحياة السياسية، للانتقال بلبنان من أسر الدولة الطائفية إلى رحاب الدولة المدنية الديمقراطية.
12- سن قانون مدني موحد لأحوال الشخصية، كجزء لا يتجزأ من عملية انتقال لبنان من الدولة الطائفية إلى الدولة المدنية.
إننا نطلق هذا الإعلان شعورا منا بالمسؤولية الوطنية الكبرى، اتجاه شعبنا ووطننا، ونمد أيضا اليد إلى كل قوى التغيير في لبنان، داعين إلى تضافر جهود الجميع في تحمل المسؤولية المشتركة انتصارا للانتفاضة، ومن أجل دعمها وحمايتها وتطويرها وفتح الطريق أمام تحقيق أهدافها. ونحن نرى في ذلك أيضا، إكساب القوة والمنفعة للبنان في مواجهة الضغوط والتهديدات الخارجية السياسية والاقتصادية والمالية، وإدانة لقوى العجز والفشل والفساد، التي عوضا عن أن تتنحى لتأمين الانتقال السلمي للسلطة، استجابة لإرادة شعبنا الذي نزع ثقته عنها، خضعت ولا تزال تخضع لهذه الضغوط، وأوصلت البلاد بسياساتها إلى الانهيار الخطير، الذي يجب أن تتحمل هي مسؤوليته وحدها.
كما نرى في هذا الإعلان خطوة أولى وأساسية لإطلاق “لقاء التغيير” الذي سيبقى مفتوحا أمام مشاركة كل الراغبين المناضلين من أجل التغيير.
ختاما: الخطر داهم، وإطلاق هذا الإعلان، مبادرة، ونحن ملتزمون بدعم كل المبادرات الصادرة من كل المخلصين المشاركين في الانتفاضة ودعمها، للارتقاء بدورها وتنظيم صفوفها ضمن أوسع إئتلاف سياسي وطني جامع، يكون قادرا على تغيير موازين القوى وإنتاج البديل السياسي للسلطة السياسية المسؤولة عن الأزمة”.