لم يحمل الموقف السعودي أي جديد، إذ كرّر وزير المال السعودي، محمد الجدعان موقف الرياض المعروف مسبقاً بقوله إنّ بلاده “كانت وما زالت تدعم لبنان والشعب اللبناني” و”تتواصل مع بلدان أخرى لتنسيق أي دعم للبنان على أساس الإصلاحات الاقتصادية”. ففي أيلول الفائت، لفت الجدعان إلى أنّ الرياض تجري محادثات مع حكومة الرئيس سعد الحريري آنذاك بشأن تقديم دعم مالي. وفي كانون الثاني الفائت، أي بعد استقالة الحريري، أكّد وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان آل سعود، أنّ استقرار لبنان “مهم جداً” بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، مضيفاً أنّه “على الشعب اللبناني والنظام السياسي إيجاد طريقة للمضي قدماً تضمن استقرار وسيادة لبنان”. ظلّ الدعم السعودي للبنان “معنوياً” في ظل الأنباء التي تردّدت عن عدم رضا الرياض على أداء الحريري. وبعد تأليف الرئيس حسان دياب حكومته، ظل الدعم السعودي “معنوياً” بحجة أنّ تشكيلته الوزارية “أحادية اللون” وغير مراعية لمطالب المنتفضين والتوازن الذي تنشده الرياض في ظل التحولات الإقليمية الجارفة.
ويبدو أنّ الدعم السعودي سيبقى “معنوياً” في الفترة المقبلة أيضاً. ففي مقابلة صحافية، ردّ وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، على سؤال حول حاجة لبنان إلى مساعدة صندوق النقد الدولي قائلاً: “لدى الصندوق برامج عديدة، وقد تباحثنا أمس خلال اجتماع لـ G7 في الأمر، ووجدنا أنّ هناك برنامجاً يمكن للصندوق أن يعمل عليه لنرى استقراراً سياسياً واقتصادياً في لبنان”.
لا تشير تصريحات منوشين إلى أنّ الموقف الأميركي من لبنان قد تغيّر، فسبق للمسؤولين الأميركيين أن رهنوا المساعدات بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية على السواء وسط تقارير تحدّثت عن وجهتيْ نظر أميركيتيْن تنادي الأولى بترك لبنان ينهار، أمّا الثانية فتخشى قطع الدعم عنه نهائياً خوفاً من تعاظم نفوذ “حزب الله” وإيران. ففي تعليقه على ولادة حكومة دياب، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إنّ “الإصلاحات هي السبيل الوحيد لفتح الباب أمام حصول بيروت على مساعدات دولية”، مؤكداً استعداد بلاده لمساعدة لبنان “شرط أن تكون الحكومة ملتزمة بالإصلاحات وأن تستجيب لمطالب الشعب”.
في المقابل، يتمايز الفرنسيون عن السعودييين والأميركيين، وقد تجلى الاختلاف في مقاربة الأزمة اللبنانية عبر تصريح وزير المال الفرنسي، برونو لو مير، الذي أعلن استعداد بلاده لدعم لبنان مالياً وحذّر من “خلط التعافي الاقتصادي في لبنان مع الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمواجهة إيران في المنطقة”، قائلاً: “نعرف أن ثمة روابط بين المسألتين، لكننا لا نريد خلط قضية التعافي الاقتصادي في لبنان، وهو اليوم في حالة طوارئ واضحة، ومسألة إيران”. يؤكد تصريح لو مير التباين بين وجهتيْ النظر الأميركية والفرنسية، وهو تباين ليس بجديد، لا سيما في ما يتعلق بالملف اللبناني. ويبدو أنّ المسؤول الفرنسي تقصّد هذه المرة أن يكشفه للعلن تزامناً مع اجتماع وزراء المالية في مجموعة العشرين، لما يحمله هذا اللقاء من رمزية كبيرة. وفي هذا الإطار، ترى أوساط مواكبة أنّ فرنسا تبدو الأكثر حرصاً على دعم لبنان، فسبقَ أن استضافت “سيدر” في العام الفائت، ناهيك عن أنّها سارعت إلى تشكيل خلية أزمة ضمّت الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين بعد اندلاع انتفاضة تشرين، واستضافت مؤتمراً للمجموعة الدولية لدعم لبنان في 11 كانون الأول.