مشاهدات من مطار بيروت: معبر كورونا إلى لبنان

في المطار الوقاية متروكة لمن يهواها

27 فبراير 2020
مشاهدات من مطار بيروت: معبر كورونا إلى لبنان
نادر فوز  صحافي لبناني
نادر فوز صحافي لبناني
مطار بيروت الدولي، معبر استيراد فيروس كورونا وتوزيعه في الداخل اللبناني. على باب المطار لا إرشادات ولا تحذيرات، والاتّقاء من شر الفيروس متروك لهوى العابرين. منهم من استخدم الكمّامات ومنهم من تابع حياته وحركته بشكل طبيعي. المسافرون، ذهاباً ووصولاً، أغلبهم لم يرهبهم كورونا. يمشون مع أمتعتهم، يدققون في شاشات الرحلات، يتحادثون بلا أي هلع. طلب منهم وزير الصحة عدم الهلع، فالتزموا. حتى عناصر الأمن والعاملين في المطار وسائقي سيارات الأجرة لا يعتمدون وسائل الوقاية، ولو أنهم الأكثر عرضة للتماس مع حاملي الفيروس. وفي حرم المطار الكل مشتبه به. كلنا “نومينيه”، مرشحّون محتملون رغماً عنّا.

الحركة الخجولة
في مطار بيروت لا تزال إرشادات السفر الاعتيادية تصدح. على حالها من دون أي زيادة أو نقصان. الرجاء من حضرات المسافرين عدم ترك أمتعتهم.. الرجاء منهم الوصول إلى المطار قبل ثلاث ساعات من موعد الإقلاع.. الرجاء من السيد/ة فلان التوجّه حالاً إلى البوابة رقم كذا. لكن قبل الوصول إلى كل هذه التفاصيل، تبدو حركة السفر خجولة. وهو أمر مفهوم. فمن القادر على مجاراة فلتان أسعار بطاقات السفر؟ ومن الجريء، إلا المُجبر أو المضطر، ليقصد بيروت في ظل أزماتها المتلاحقة التي لا تنتهي؟ وخجل حركة السفر واضح بدءاً من مرآب المطار، حتى أبوابه، وصولاً إلى الحواجز الأمنية في الداخل.

بارانويا كورونا
يمكن للمطار، أن يصير نقطة عبور كورونا إلى لبنان، أن يكون تمريناً جدياً لتحدّي جنون الارتياب في هذا الظرف تحديداً. هنا الكلّ يشكّل خطراً، والكلّ خائف من الكلّ. الكلّ يشكّ بالكل. كأنّ الموجودين هم في “عشرة عبيد صغار” (رواية “لم يبق أحد”)، لكن على نقاط أوسع. الفأس عطسة، الحبل رذاذ الكلام، المسدّس سعال، والباقي على أغاتا كريستي. ويصبح تلقّف وجوه العابرين وحركتهم ليس بداعي التسلية أو تمرير الوقت. بل عامل لالتقاط إشارات المرض إن ظهرت، للابتعاد قدر الإمكان عن هذه البقعة الجغرافية. هذه عوارض البارانويا. عينان حمراوان، تعرّق، سعال، لهاث، وأي أمر آخر استثنائي مثير للريبة. والخوف الأكبر هو من واضعي الكمّامات، لا العكس. في لبنان، مجتمع غير معتاد على استخدام الوقاية عموماً على الرغم من اجتياح النفايات للشوارع والتلوّث الماء والأنهر والبحر. لكن الكمامة دليل خطر. وضعها إشارة إلى الخوف من المرض أو دلالة على الإصابة به. وفي كلتي الحالتين، تذكير بأنّ الفيروس موجود. والخوف من واضعيها، خوف مبرّر من المرض وليس منهم شخصياً. وكل ذلك يعزّز واقع البارانويا الذي أرساه كورونا.

كمّامة نينجا
من بين الجالسين في المطار، شاب يضع كمّامة وقائية استثنائية. مصنوعة من القماش السميك وليس من الورق. شكلها يجذب الانتباه، تجعل لابسها أشبه بالنينجا. هو قادم فعلاً من كوريا الجنوبية، وبالتالي ليس بعيداً نسبياً عن ثقافة النينجا شرقي آسيا. ابتاعها من هناك، حيث استخدام الكمامات رائج أساساً. لم توقفه أي إجراءات استثنائية في مطار بيروت حيث وضع الكمامة متروك للراغبين بالوقاية. “علينا أن نتوقّى بجهد فردي”، تقول سيّدة ومعها طفلها وقد أكلت كمّامة وجهه.

صفر إجراءات
يؤكد الواصلون إلى بيروت أنّ لا إجراءات صحية وقائية واجهتهم لدى نزولهم من الطائرات. خرج ركاب وصلوا من مصر، أبو ظبي، جدة، أثينا، إسطنبول، من دون أن يجيبوا على أي سؤال. من دون أن يملأوا أي استمارة صحية. وغيرهم كثيرون قادمون من مدن “موبوءة”، أولها روما التي يأتي منها معظم الواصلين من إيطاليا. فكما وصلت الطائرة الإيرانية التي حملت معها أول حالة لبنانية مصابة بالفيروس، وصلت غيرها من مطارات أخرى. ربما الأمر متروك لأجهزة قياس الحرارة، حسب ما أشيع. لكن الأكيد أنّ هذا السيناريو لا يترك ارتياحاً لدى المسافرين. حتى أنّ أحد العناصر الأمنية في المطار يقول إنّ “لا أحد يقوم بالفحوص ولا يتلزم الجميع بالوقاية”. هذا كلام رسمي غير رسمي، يدلّ على جزء من الاستهتار واللامبالاة العامّين.

في تعليمات السفر على موقع مطار رفيق الحريري الدولي، تذكير للمسافرين بمنع نقل الخضار والفاكهة الطازجة. “يمكن أن تحتوي الفاكهة والخضار الطازجة على بيوض ويرقات ذباب الفاكهة غير المرئية بالعين المجردة”. وفي التذكير نفسه تأكيد على وجوب تحسين الحسّ الوطني، “ادعم المزارع اللبناني عبر الحد من دخول وانتشار ذباب الفاكهة الذي قد يكبّد القطاع الزراعي في لبنان خسائر فادحة”. هذا الذباب وهذه البيوض، يصبح من الضروري التنبّه منهما منتصف آذار المقبل، حسب المهندس الزراعي حنا مخايل. حرص دولتنا على سلامتنا وصحتنا واضح جراء هذا التحذير. لكنه فعلياً تحذير يعود إلى العام الماضي.

المصدر المدن