وألقى خلف كلمة قال فيها: “بالله العظيم، وبشرفي، أن أحافظ على سر مهنتي، وأن أقوم بأعمالها بأمانة، وأن أحافظ على آدابها وتقاليدها، وأن أتقيد بقوانينها وأنظمتها، وأن لا أقول أو أنشر، مترافعا كنت أو مستشارا، ما يخالف الأخلاق والآداب، أو ما يخل بأمن الدولة، وأن أحترم القضاء، وأن أتصرف في جميع أعمالي تصرفا يوحي الثقة والاحترام”.
وأضاف: “استهل كلمتي بهذا القسم، وقد بدت على وجوهكم، ملامح الإستغراب، وكأن هذا القسم يلقى لمرة واحدة لا غير في بداية المهنة… فأسارع لأقول لكم إن هذا القسم هو، للمحامي، سيرته ومسيرته وسريرته وسره في آن، فلا تعجبن، إن طلبت إليكم زميلاتي، زملائي، أن ترددوه كالصلاة كل يوم ولو همسا أو تمتمة، فيكون ذلك تأكيدا على قدسية معاني كل كلمة من كلماته وفعل إيمان بالرسالة التي قررتم اليوم أن تؤتمنوا عليها”.
وتابع: “استهلالا، اسمحوا لي، أن أحيي سلفي النقيب الأستاذ أندره شدياق الذي عرفكم عن قرب، وأشرف، بكل تفان، على اختبار استحقاق انتسابكم الى النقابة، فشكرا له. ولا أنسى، أن أحيي بصورة خاصة الصديق، العزيز، رفيق الدراسة، حضرة الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله ومستشاري المحكمة الرئيسة كريستال ملكي والرئيس شادي الحجل، الأجلاء، وأحيي عضوي مجلس النقابة – مقرري التدرج – إخوتي الأستاذين إيلي بازرلي وعماد مرتينوس، الذين عملوا سويا وحتى ساعات متقدمة من الليل مع محامين متطوعين، بكثير من النبل والجهد لإنجاح هذا الإحتفال، فشكرا لهم”.
وأردف: “اليوم، يوم فرح وعز، لن أرهقكم بالمواعظ -وربما هي إحدى مساوئي- لكن من واجبي أن ألفتكم أنه، في هذه اللحظة التاريخية السنية التي تنذرون فيها حياتكم لحمل رسالة المحاماة، عليكم أن تدركوا: المسؤولية الجلى التي تتحملون، وفي الوقت عينه، المجد العظيم الذي أعطيتم، والشعور بالإباء والشموخ الذي ينالكم، والتاريخ الأثيل الذي تنضوون إليه. قسم اليمين ليس وثيقة مرور إلى وظيفة أو منبر أو مرافعة، بل هو مسؤولية ورسالة، هو أمانة على قيم، هو تعهد ووعد، هو صدق، صدق مع الذات والآخرين، هو انتقال من مكان إلى مكان، من موقع إلى موقع، من معركة إلى معركة …، فاليوم ابتدأت معركتكم الحقيقية، في مصارعة الظلم والتخلف، في مواجهة المساومة والفساد، وفي التطلع إلى بناء لبنان العدالة والقيم والحق. كل ذلك، يحتم عليكم أن تعرفوا واجباتكم تجاه أنفسكم وتجاه من يلجأ إليكم وتجاه النقابة والمجتمع والوطن وأختصرها بعشر لعلها تكون وصايا العشر في حياتكم المهنية:
أولا- في واجب الإستقامة:
ثانيا- في واجب الجرأة:
ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ
ثالثا- في واجب الإمتناع عن كل كلام جارح أو مهين:
رابعا- في واجب كتمان السر:
خامسا- في واجب عدم تعاطي أي مهنة أخرى:
سادسا- في واجب المرافعة:
سابعا- في واجب العمل المجاني:
ثامنا- في واجب حب النقابة:
تاسعا- في واجب احترام القضاء:
عاشرا – في واجب مساندة الوطن:
وقال خلف: “أحبائي، أن تقرروا دخول المهنة في هذا الظرف العصيب من عمر الوطن، فهذا يزيدني تقديرا وإعجابا بكل فرد منكم، لقد اخترتم، بدلا من الهجرة، الصمود في أرض هذا البلد بوجه كل أنواع الأعاصير. إعلموا أن النقابة التي تنتسبون إليها، أسسها المحامون الأولون سنة 1919 وهم ممن أسسوا لقيام لبنان الكبير سنة 1920! إعلموا أن التاريخ يعيد نفسه اليوم معكم، وأنتم الدورة الأولى لمئوية النقابة الثانية! إعلموا أن صناعة التاريخ ليست صدفة أو حظا أو خطأ أو أمرا مرهونا بالقدر! إعلموا أن الرجال -وهم أنتم اليوم- رجالا ونساء، وحدهم يصنعون التاريخ! فأي لبنان جديد ستصنعون؟ إنكم أنتم الأمل والرجاء والمستقبل، وبكم الإنقاذ”.
أضاف: “أيها الأصدقاء، أستوقفكم لحظة، قبل أن أكمل رسالتي إليكم، لأحيي مجلس القضاء الأعلى، رئيسا وأعضاء، وأسمح لنفسي أن أقول لحضرة الرئيس الأول سهيل عبود: لن أكون إلا معك وبجانبك في معركة القضاء المستقل القوي. نجاحك في التحدي، نجاح لكل قاض ومحام ورجل قانون. يشرفني أن نلتقي معا، ونعمل معا، للانتصار على “فيروس” الطائفية والمحاصصة والإستزلام والتسلط. وتستطيع يا حضرة الرئيس الأول، أن تعقد على عقول وقلوب وسواعد وحناجر هؤلاء الشباب والشابات الذين يعتبرون ساحة المحاماة بعضا من ساحة الشهداء والكرامة والحرية. إنهم أهل لهذه المعركة، ونقابة المحامين لها، ونحن لها”.
وتابع: “أعزائي، يا شباب وشابات لبنان، كلكم، دعوني أصارحكم، معظم متولي الشأن العام في وطننا ليسوا بأبرياء مما نحن عليه. يشبعوننا كلاما عن إعادة تكوين السلطات والعبور الى الدولة، كل يوم، يبشروننا بهذه المثل وهم يخربون السلطات، كل يوم، يهددوننا بالإنهيار الوشيك في ما نحن أصبحنا في القعر، كل يوم، يدفنون الديموقراطية ويمنعون بأفعالهم قيام الدولة ويكادون يعلنون وفاتها، كل يوم، ينكلون بالميثاق ويحتمون بالطوائف، كل يوم، يشكلون خليات أزمات غير مجدية، كل يوم، يدعون الى لقاءات واجتماعات صاخبة مملة فارغة من أي إنتاجية، كل يوم، يختلفون على المغانم فيما يرزح شعب بأكمله تحت وطأة الخطر والأزمة والمرض والنفايات والديون، كل يوم”.
وختم: “سلبوا منا كل شيء لكنهم لن يستطيعوا مصادرة أحلامكم التي قررتم تحقيقها على أرض هذا الوطن. لا تدعوهم يستبيحوا حقكم في الحياة الكريمة، في دولة ترعى أموركم كما هي حال الشعوب المستحقة للحياة! لا تسمحوا للفساد أن ينتصر! لا ترضوا للحق أن ينكسر! لا تصبروا على أفعالهم! لا تخافوا من سلطانهم! لا تقبلوا بالأمر الواقع! لا تصمتوا بوجههم مستسلمين! لا تخشوا بأن تسألوهم بصوت مدو: ألم يحن وقت الحساب؟ أنتم أمل لبنان، أنتم الضوء الذي يمحو العتمة. لا خوف عليكم، لا خوف منكم، طاقاتكم الهائلة تكفي لإعادة بناء الوطن. حان وقت المواطنة الصالحة على حجم لبنان وعلى حجم الإنسان فيه. نقابة المحامين معكم. ابنوا دولة ساستها من أصحاب المواهب لا من هواة المناصب، رجال ونساء إبداع لا رجال ونساء أتباع. اختاروا رؤساء يقودون ولا يقادون. اختاروا قيادات تلتزم حب لبنان ولا تستزلم ولا تلزم. ناضلوا للوطن!… ناضلوا للحق!… ولا شيء غير الحق والوطن!”.