هذا هو حال ملف النفط والغاز في لبنان.
إذ يسارع السياسيون إلى التسلّق على الملف لتسجيل انتصارات، من وزراء الطاقة المتعاقبين، مروراً برئيس الجمهورية ميشال عون، وصولاً إلى رئيس الحكومة حسان دياب الذي حجز لنفسه مقعداً في صفوف مطلقي الشعارات الإنشائية غير العلمية.
فرصة لن تُعوَّض
وافق دياب على تولي رئاسة الحكومة في ظرف متأزّم سياسياً واقتصادياً ونقدياً. قد تكون الموافقة مفهومة إن كان دياب صاحب علاقات دولية، جامعة وقادرة على اقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان.
أمّا قدومه بضوء أخضر من حزب الله بعد تعذّر ترقيع حكومةٍ برئاسة سعد الحريري، فإن دياب لن يضيف شيئاً على الساحة اللبنانية، سوى المزيد من الخطابات والوعود والصور التذكارية.
شكّل قدوم باخرة التنقيب عن النفط tungsten explorer إلى لبنان، وإطلاق أعمالها يوم الخميس 27 شباط، فرصة لا تُقدّر بثمن، اقتنصها دياب ليدوّن في السجلات الرسمية اللبنانية أن انطلاق أعمال الحفر، جاء في عهد “دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب”، وهي عبارة ذهبية وإيجابية، يحتاجها دياب مقابل السلبية التي ستُسجَّل لعهده في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والمالية والنقدية.
عرف دياب ذلك، فأسهَب في وصف إطلاق أعمال الحفر وانعكاسات استخراج النفط والغاز على الاقتصاد اللبناني، مع إدراكه أنه لن يكون رئيساً للحكومة حين يخرج المخزون من البحر.
وهذا لا يهم، طالما أن الانطلاقة سُجّلت لعهده.
في معرض إسهابه من على متن الباخرة، رأى دياب أنه بإطلاق رحلة الحفر “تتوسع دائرة الأمل بتجاوز لبنان الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تضيق الخناق على الواقع المالي والاجتماعي للبنانيين”.
وكما عون ووزراء تياره البرتقالي، وقع دياب في مغالطة علمية حين كرّر أن لبنان يتحول إلى بلد نفطي مع بدء الحفر، مع أن هذا التحول بعيد المنال، وله شروطه.
ولم ينسَ دياب “الكليشيهات” اللبنانية التقليدية، معتبراً أن لبنان سينتشر “عبر البحر نحو العالم كما فعل الفينيقيون، ويتمدد في البر في عمقه العربي، فيعود لبنان منارة الشرق وصلة الوصل بين العرب والعالم”.
الرحلة انطلقت
بعيداً عن مراد الطبقة السياسية واستغلالها للملف النفطي، كلٌّ بحسب مصالحه، يبقى انطلاق أعمال الباخرة، نقطة إيجابية وسط الكم الهائل من السلبيات المتراكمة. لكن مستوى الإيجابية الحقيقية سيأخذها اللبنانيون من تقارير أصحاب الاختصاصـ الذين سيبدأون الحفر خلال بضعة أيام.
تقنياً، وعلى لسان المدير العام لشركة “توتال – لبنان” ريكاردو داري، “تصل نسبة دقة أنبوب الحفر إلى حوالي متر واحد من الموقع الذي يتم تحديده عبر أقمار صناعية من أميركا وروسيا”.
والحفر بحسب دراي “يجب أن يتخطى أولاً حوالى كيلومتر من الملح قبل الوصول إلى الموقع المفترض للبئر النفطية”.
أعمال شركة توتال ستخلص يومياً إلى تقديم “تقرير يومي إلى هيئة قطاع النفط عن عملية الحفر وكيفية إتمامها ونتائجها”، على أن يُبلَّغ وزير الطاقة بالنتائج، وفق ما أكده رئيس الهيئة وليد نصر، الذي أمِلَ أن تكون النتائج اليومية جيدة.
وبانتظار النتائج الايجابية “ستعطي البئر الأدلة الواقعية لما سجّله المسح الجيولوجي لكامل البحر اللبناني”.
وبالتوازي مع ما يُنتَظَر من البحر، أشار نصر إلى أن “غرفة الداتا في وزارة الطاقة أصبحت مجهزة وكاملة بكل الداتا والبرامج، وسنقوم بعملنا في الأشهر المقبلة لمواكبة الشركة في العمل”.
ولفت النظر إلى أن التحضيرات في البلوك رقم 9 تسير بنجاح “لجهة تحديد موقع البئر وإجراء التحضيرات اللوجستية اللازمة”.
كان من المفترض بالحدث الذي شهده لبنان يوم الخميس أن يكون محطة فاصلة بين مرحلتين في تاريخ لبنان، لكن ما اقترفه السياسيون، أفسَدَ فرحة الإنجاز الذي كان من المفترض أن ترافقه سلسلة من الإجراءات الإدارية والقانونية، التي تضمن حسن الانتفاع من ثروة النفط والغاز وهذا ما لم يحصل بعد.