عاد وجود حزب الله في سوريا إلى الواجهة مجدداً. هذه المرة، كان عبر الاستهداف التركي لمجموعة من مقاتلي الحزب، ما أدى إلى سقوط أكثر من 14 قتيلاً وعدد من الجرحى. وحسب المعلومات، تعرض الحزب لتسع هجمات في منطقة طلحية بالقرب من سراقب، من دون أن يلقى الحزب أي مساندة من القوات الروسية، التي بقيت على الحياد بعد الضربة التي وجهتها إلى القوات التركية بعد ظهر الخميس 27 شباط المنصرم.
الحضور في الجغرافيا
منذ فترة، يشارك حزب الله في المعارك العسكرية الدائرة في ريفي إدلب وحلب. فإلى جانب الغاية العسكرية المتمثلة بالعودة إلى بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين، واشتغال الحزب (ومن خلفه الإيرانيين) على إعادة أهالي البلدتين إليهما، هناك أهداف سياسية لقتال الحزب في تلك المنطقة، منها تأكيد حضوره على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، وليس منحصراً فقط في منطقة دمشق وريفها والحدود اللبنانية السورية.
يريد حزب الله من خلال معاركه الجديدة في سوريا أن ينقض كل التقارير التي تحدثت سابقاً عن انسحاب عناصره من سوريا. وهو الذي يؤكد دوماً أنه سيكون حيث يجب أن يكون، تبريراً لهذا لاستمرار وجوده العسكري هناك، على الرغم من كل الضغوط والضربات التي يتعرض لها من قبل الأميركيين والإسرائيليين والخليجيين. ويقول إنه لا يزال مستمراً في مهمته ومعاركه، وليس في وارد الانسحاب حالياً، مع أنه أجرى الكثير من عمليات إعادة التموضع في سوريا، وسحب العديد من فرقه ومقاتليه إلى لبنان، لأسباب واعتبارات عديدة، منها تجنب المزيد من الضربات الإسرائيلية، ومنها تخفيف الأعباء المالية والاقتصادية وإراحة كوادره العسكرية.
“رسالة” إلى إيران
لكن الجديد في ما حدث في الشمال السوري، هو أنها المعركة الأولى والمباشرة التي تكون بين الأتراك وحزب الله. خصوصاً أن الضربة التي تلقاها الحزب، أدت إلى اندلاع معارك بين قوات الحزب وقوات المعارضة المدعومة من تركيا. وترجح المعلومات أن هذه المعارك ستتوسع في المرحلة المقبلة. فتركيا تريد الانتقام من الضربة التي تلقتها، والتي أودت بأكثر من 33 جندياً تركياً، من دون الاصطدام المباشر مع الإيرانيين أو الروس. لذا، ستستهدف قوات النظام وحلفاءه (حزب الله من بينهم).
ضربة حزب الله تعوض الأتراك، معنوياً وشعبياً، لما لها من صدى. فضرب قوات النظام السوري يعتبر من الأمور الروتينية، بينما توجيه ضربة إلى الحزب لها سمة نوعية، خصوصاً في ظل الحصار الذي تعيشه أنقرة.
أيضاً، تريد تركيا من خلال هذه الضربة توجيه رسالة إلى الإيرانيين مغزاها أن تركيا لن تسكت ولا تخضع لهذا الاختناق الذي تتعرض له، من قبل الحلفاء والخصوم. فأنقرة كانت تعتبر أن هناك مستوى رفيعاً من التواصل مع الإيرانيين، وثمة مراعاة دائمة بين الطرفين، لا سيما التسليف التركي لإيران في الكثير من الملفات، خصوصاً في ظل العقوبات القاسية التي تتعرض لها طهران.
تداعيات مذهبية
ولا بد من الإشارة إلى أن تركيا تعمل على إظهار قدرتها في مواجهة حلفاء إيران في سوريا، وخصوصاً حزب الله، ربما من أجل استدراج الدعم الأميركي الجدّي للأتراك في عملياتهم العسكرية في الشمال السوري. لا سيما أن واشنطن لا تترك فرصة إلا وتؤكد فيها سعيها إلى تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ومن ضمنه حزب الله الذي تصنفه منظمة إرهابية. كذلك، تتوجه الرسالة التركية إلى دول الخليج (السعودية والإمارات خصوصاً)، التي تدعي مواجهة إيران وحزب الله ونفوذهما، وفي الوقت نفسه تضع تركيا في مصاف العدو الأول، الذي يتقدم على إيران وحلفائها.
إذاً، تأتي الضربة التي تلقاها الحزب في الشمال السوري، بعد سلسلة ضربات تعرض لها في الجنوب السوري أيضاً. لكن معارك الشمال سيكون لها طابع مذهبي سنّي – شيعي. وهذا ما بدأ ينعكس على بيئتي الطرفين من خلال عملية التحشيد والتجييش، التي ستكون لها آثار بعيدة المدى، وستنعكس على تركيا في ظل عدم وجود حليف حقيقي داعم لها.