لم يكن كلام رئيس الحكومة حسان دياب عن صعوبة الأحوال، وعدم قدرة الدولة اللبنانية على حماية أبنائها، كلامه هو وحده. ربما أعلن الرجل ما تضج به كل الدوائر المحلية والخارجية، ويختصر نظرة تُجمع عليها قوى مختلفة، بما فيهم المشاركين في هذه الحكومة، الذين بدأوا يأخذون مواقف صامتة ضد أدائها، ويصفونها بأنها غير قادرة على الاستمرار، وغير قابلة لاتخاذ أي قرار أو خطوة إنقاذية. كل الآمال التي علّقت “زوراً” على هذه الحكومة تتبدد. الخلافات بين مكوناتها تتزايد، من ملف الكهرباء إلى ملف النفط، وصولاً إلى الخطة الاقتصادية والمالية وما يتعلق بسندات اليوروبوندز، بالإضافة إلى ملف أساسي يحظى بعناية دولية مهمة، وهو ملف التعيينات القضائية.
خلاف برّي – عون
الخلاف يكبر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على خلفية ملفات الكهرباء، والنفط، والتعيينات القضائية. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن بري يعارض إلى أقصى الحدود إصرار جبران باسيل على إنشاء معمل للكهرباء في سلعاتا، لأن ذلك سيحتاج إلى المزيد من الأموال للاستملاكات ومزيد من الوقت. والخلاف على ملف الكهرباء، انعكس على ملف النفط. ولذا لم توجه الدعوة إلى برّي للمشاركة في الجولة التي أجراها رئيسا الجمهورية والحكومة على متن باخرة الاستكشاف. وهو اعتبرها رسالة سلبية من بعبدا إلى عين التينة، التي تسوء العلاقة بينهما أكثر حول ملف التعيينات القضائية.
لم تتمكن الحكومة من إقرار آلية التعيينات. هناك من يتهم رئيس الجمهورية أنه لا يريد إقرار الآلية، والإبقاء على الوضع ذاته، ليتمكن من فرض ما يريده. وهنا يتفرّع الخلاف، فوزيرة العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى هما الآن في الواجهة، ويتفقان على موقف واحد، وهو وجوب إقرار التعيينات بمنهجية مؤسساتية، بعيداً عن المحاصصة السياسية والتدخلات من قبل القوى والأحزاب. وتكشف المعلومات أن هناك إصراراً على اتباع الإجراءات السابقة من قبل القوى السياسية، ما يعني أن كل ما يحكى عن استقلالية القضاء يندرج في خانة الكلام الذي لا قيمة له. ما سيوحي للبنانيين والمجتمع الدولي أن الحكومة الحالية لا تختلف على الإطلاق عن الحكومات السابقة، لا في النهج ولا في المضمون.
عقلية التشفي والإقصاء
وزيرة العدل تهدد بالاستقالة في حال حصلت تدخلات سياسية في موضوع التشكيلات. رئيس مجلس القضاء الأعلى يرفض الرضوخ لأي ضغوط، بينما القوى السياسية، وخصوصاً فريق رئيس الجمهورية، يصرّ على تمرير ما يريده في هذه التعيينات، مع اقتراحات متعددة، تصل إلى حدود التشفي من عدد من القضاة، كقاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، والتي تتجلى إرادة في القصر الجمهوري في إقصائها أو إيجاد صيغة لمعاقبتها على حكمها القاسي بحق العميل عامر الفاخوري، واتهامها بأنها أحرجت القوى التي تعمل على الإفراج عنه إستجابة للضغوط الأميركية. وهنا لا بد من التذكير بمحاولات سابقة عديدة لإلباس تهمة “العمل على الإفراج عن الفاخوري” لوليد جنبلاط وأبو شقرا، بإحالة الضغوط الأميركية عليهما. لكن جنبلاط وقتها رفض التدخل، وقال هذا أمر يخص القضاء. الأمر الذي أحرج القصر الجمهوري مع الأميركيين. نية التشفي من أبو شقرا، ستكون مقدمة لخلاف سياسي كبير. وحزب الله لن يكون بعيداً منه لأن القضية واضحة في أن خلفية اقصاء أبو شقرا سببها “الفاخوري”.
تنفس اصطناعي
كل عوامل ومقومات انفجار الحكومة من داخلها أصبحت متوفرة. إذ لا اتفاق على أي من الملفات، والصراع السياسي يأخذ مداه. كما أنه في الواقع اللبناني لا يمكن لحكومة تعيش عزلة دولية، ومقاطعة من قبل نصف اللبنانيين أن تستمر. ما تعيشه هو فقط بفضل التنفس الاصطناعي الممنوح لها، لكن هذا التنفس لن يكون قادراً على الاستمرار في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، والتي لا حلول لها تلوح بالأفق.
النظرة الدولية لوضع الحكومة، تقوم على نقطتين أساسيتين في الأيام القليلة المقبلة، التعيينات القضائية، والتي تشكل أول امتحان جدي لها على مرأى اللبنانيين والعالم، وبحال لم يكن هناك تغيير جذري في آلية التعيين، فإن ذلك سيسقطها حكماً، كما سقطت في خطة الكهرباء وغيرها. والنقطة الأخرى هي أن لبنان لن يحصل على فلس واحد من خارج صندوق النقد الدولي، فيما الحكومة تبدو عاجزة عن اتخاذ قرار واضح وحاسم بالذهاب إلى الصندوق. هنا تنقسم الرؤية إلى قسمين، قسم يعتبر أن بقاء حكومة أفضل من استقالتها طالما أن لا بديل متبلوراً. وقسم آخر يعتبر مغادرتها وتحولها إلى تصريف للأعمال أفضل من بقائها أصيلة وينفجر كل البلد بوجهها.