هل تتلاقى القوى السياسية على إسقاط حكومة دياب؟

حكومة "مستقيلة" عملياً من الأزمات والملفات والقرارات الكبرى

4 مارس 2020
هل تتلاقى القوى السياسية على إسقاط حكومة دياب؟
منير الربيع
منير الربيع

تظهر الأحداث والتطورات الداهمة هشاشة حكومة “الاختصاصيين” التي تشكّلت للعمل على معالجة الأزمات اللبنانية. فالحكومة هذه مطوقة بتراكمات بنيوية قديمة هائلة، وأخرى مستجدة، تتجاوز قدرتها الضئيلة أصلاً: من فيروس كورونا، إلى المعارك التي يخوضها حزب الله في إدلب، وما بينهما من تراكم الأزمات الاقتصادية والمالية المستفحلة، من دون اتخاذ أي إجراء للحدّ منها.

تقلّص الوقت
حكومة عاجزة عن سوى تشكيل لجان، والتعاقد مع هيئات استشارية، لتحديد رؤية مالية وسبل التعاطي مع سندات اليوروبوند. وإنشاء اللجان والتعاقد مع استشاريين، يسقطان منطق “التكنوقراط”. فإذا بحكومة الاختصاصيين تحتاج إلى اختصاصيين في مجالات مختلفة، لتحديد وجهتها. وفي حال أشير عليها بما يمكن ويجب فعله، تقف عاجزة أي فعل.

الرسائل الدولية السلبية تتوالى، حيال سوء الإدارة، والجهل بالحجم الحقيقي للأزمة، والغياب التام عن اجتراح حلول لها. وهذا يسهم في تردي الأوضاع، وفي انقلاب المعادلة على من طالب بمنح الحكومة الوقت للحكم عليها. فكل يوم يمرّ لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والتداعي. ومن تحدث عن منح الحكومة أسابيع وأشهر – فيما هو منشغل بالمواجهات الدموية في إدلب وبخسائره فيها –  لإظهار قدرتها، صار يتحدث عن أيام لمعرفة ما إذا كانت ستتمكن من الاستمرار، أم أنها تهوي عند أول مفترق.

عزلة وسقوط وتنصل
السقوط في الهاوية لا يعني بالضرورة الذهاب إلى الاستقالة، على الرغم من سعي قوى كثيرة إلى تحقيق ذلك. ولكن حتى لو تشبث رئيس الحكومة وحكومته بالبقاء، والاستمرار في نهج تشكيل اللجان والاستثمار في الوقت وتقطيعه، فهو مستقيل من الأزمات والملفات التي شكّل حكومته للعمل على معالجتها وحلّها. ومع إطباق الخناق الدولي على هذه الحكومة، وتشديد حصارها، وعدم قدرة رئيسها على القيام بجولة خارجية، قبل التزامه بجملة شروط، منها الاتفاق على خطة واضحة مع صندوق النقد الدولي، يتضاءل احتمال إنجاز هذه الحكومة أي شيء يذكر، مالياً أو اقتصادياً.

وهي عاجزة عن اتخاذ أي موقف سياسي إزاء التطورات في إدلب مثلاً، ومشاركة حزب الله هناك، فيما تنعكس مشاركته هذه حكماً على الوضع الداخلي في لبنان: تجدد الاصطفافات المذهبية واستنفارها. وهي مطوقة سياسياً بمعارضة واسعة من خارجها، وبصراعات القوى المشاركة فيها: حزب الله، التيار العوني، اللذان لا يفوتان فرصة لا يظهران فيها ابتعادهما عن هذه الحكومة. فالأمين العام لحزب الله أعلن في إطلالته الأخيرة  أن الحكومة لا تشكل الصيغة الأمثل التي يطالب بها حزب الله. وهذا يعني أنها ليست حكومته. هو يريد التنصل منها، نظير تنصله من الأزمات التي تنفجر تباعاً، فلا  يتحمل المسؤولية عنها.

التيار العوني المشارك في الحكومة، يقول إنه رأس حربة المعارضة. يحاول عزلها والادعاء باستقلالية الحكومة، كي ينأى بنفسه عنها.

معارضة عاجزة تنتظر
والقوى غير المشاركة في الحكومة، تجمع على عدم قدرتها على تحقيق أي شيء، سوى انتظارها سقوط الحكومة:

سعد الحريري يعتبر أن كثرة الحركة التي يشيعها حسان دياب ويظهرها، ليست أكثر من جعجعة بلا طحين. وهو عاجز عن اتخاذ أي خطوة.

وليد جنبلاط يعلم أن الحكومة عاجزة، لكنه يدعو إلى دعمها في ما يمكن أن تقوم به، خوفاً من سقوط يؤدي إلى سقوط ما هو أهم منها: أعمدة الهيكل اللبناني.

سمير جعجع قال إنه ينتظر آلية عمل الحكومة ليحكم عليها. مؤخراً خرج معلناً أنها لم تقدم على أي خطوة جدية توحي بإمكان استعادة الثقة أو بنائها من جديد.

وإلى جانب كل هذه المشاكل التي تعترض طريق حكومة الاختصاصيين، هناك قناعة عامة راسخة: لا يمكن السماح لهذا النوع من الحكومات انجاز أي شيء. لأن السماح لها بذلك يعني أن حكومة “غير سياسية” تتمكن من اتخاذ قرارات وتحقق استقراراً. وهذا يعني أن حكومات الزمر السياسية كانت هي سبب الأزمات والفشل.

وهنا ندخل في صراع من نوع آخر بين السياسيين، أي القوى السياسية الفعلية، والقوى المقنّعة التي تمثلها الحكومة ولا تمكّنها بالوقت نفسه من اتخاذ أي قرار. إنها مؤامرة الصراع بين أهل السلطة الفعليين وحكومة الظلال. فأي نجاح قد تحققه هذه الحكومة، سيشيع انطباعاً بعدم الحاجة إلى الأحزاب والقوى السياسية التقليدية. من هنا يبدأ طريق إفشالها وإجهاضها.

المصدر المدن