حسان دياب: بؤس الإنشاء ولغة الآمال الزائفة

رزمة من الإصلاحات والوعود الموجّهة إلى الدائنين وليس اللبنانيين

8 مارس 2020
حسان دياب: بؤس الإنشاء ولغة الآمال الزائفة
نادر فوز
نادر فوز

في يوم انهيارٍ مشمس جميل، أكد رئيس الحكومة البروفيسور حسان دياب أنّ لبنان شارف لأن يصبح البلد الأكثر مديونية في العالم.

اختار دياب أسلوبه الإنشائي المعتاد. نقل اللبنانيين إلى حصة للغة العربية في الرابع ابتدائي ليكرّر عليهم ما يعرفونه منذ أشهر: لبنان مفلس ومنهار ولن يسدّد سندات اليوروبوندز.

كأنّ استعراض ذلك بلغة إنشائية يلطّف الواقع على الناس. يغيبون عن السمع، يفقدون التركيز على المعنى ويغوصون في تحليل مشهديّة اختلاط الكلمات.

على ما يبدو، هذا الرجل يهوى الملل. هو لا يملّ، لكنّ الحاضر معه يملّ، والمشاهد يملّ، والقاعة تملّ.

والجلوس لمتابعته فرض واجب، لتسجيل الحضور ليس إلا.

انطلق الخطاب بعبارة قاسية قال فيها دياب إنّ “البلد يصارع بقوة الإرادة التي يملكها كي لا يبتلعه الدوار”.

ثم كرّت سُبحة الكلمات والجمهور عالق عند “الدوار”.

أما قوّة الإرادة فمحسوم أمرها، تتمثّل بالمتحدث نفسه الذي فرض اسمه على اللبنانيين المنتفضين، كسرهم ودفعهم إلى يأس إضافي وإذ به يعالجهم ويعاجلهم اليوم بالمفردات الإنشائية.

فكانت العبارات المعتادة من عيار “عجلة الاقتصاد”، “تحقيق الازدهار”، الإصلاحات”، “إعادة الثقة والدعم”، وغيرها.

إطلالات البؤس
إطلالات دياب الإعلامية نادرة، وكذلك مواقفه العلنية. قد يكون في ذلك خيراً للبنانيين. فالرجل لا يطلّ إلا لتأكيد واقع البؤس. في المشهد الأول قال إنّ “الدولة عاجزة عن حماية اللبنانيين”.

وفي المشهد الثاني ظهر ليؤكد أنّ الدولة منهارة ولا تستطيع. أكد على واقعنا المأزوم الذي تشير أرقامه إلى أنّ “40 في المئة من السكان قد يجدون أنفسهم قريباً تحت خط الفقر”.

هل يشمل ذلك اللاجئين السوريين والفلسطينيين أيضاً؟ هم من السكان أيضاً.

لا نعرف، ودياب لا يعرف أيضاً. وفي معرض الدفاع عن قرار عدم دفع السندات، وجّه جملة من التساؤلات، أبرزها “كيف يمكننا أن ندفع للدائنين في الخارج واللبنانيون لا يمكنهم الحصول على أموالهم؟ ونترك المستشفيات تعاني من نقص في المستلزمات الطبية؟ أو لا نستطيع تأمين الرعاية الصحية للناس؟ وهناك أناس على الطرقات ليس لديهم المال لشراء رغيف خبز”؟ لم يجدّ حلاً لكل ذلك بشعار استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة والمخبأة في سراديب الأحزاب والطوائف.

واستعادة قطاعي الاتصالات والكهرباء وغيرها من أزلام الفاسدين، وتحرير القضاء لمحاسبتهم. لكن دياب، في الوقت نفسه، حريص على الثورة واللبنانيين.

بلد النوادي الكثيرة
أعلن دياب أيضاً أنّ “أكثر من 50 دولة تخلّفت قبلنا عن سداد ديونها”. قبل أسبوع دخل لبنان “نادي الدول النفطية”، هذا ما أكده العهد والحكومة للبنانيين.

واليوم يدخل البلد “نادي الدوّل المتخلّفة عن الدفع”، هذا أكده العهد والحكومة للبنانيين أيضاً. فلبنان عضو في نوادٍ دولية كثيرة، كنوادي الفساد المزمن وأمراء الحرب وتهريب الأموال وسطوة المصارف والاحتكار، وغير ذلك الكثير. فلن ينغّص الانضمام إلى نادٍ سوء جديد الحياة على الناس.

لكن يشي كل هذا أنّ إطلالات دياب باتت أشبه بـ”أوراق النعوة”.

دياب ينعي الدولة، والسلطة تنعي نفسها. وسبق للبنانيين أن نعوا الاثنين معاً، الدولة والسلطة. جاء ذلك على مراحل، قبل ثورة 17 تشرين وخلالها.

الأمل الزائف
لكن دياب حمل للبنانيين أملاً زائفاً. أعلن مجدداً أنه يرفع التحدي والرهان لإنقاذ البلد. فخرج في خطاب أمس، ببيان وزاري ثانٍ، موازٍ لبيان “الباوربوينت” الأول.

وجاء فيه أنّ الحل لا يكون إلا برزمة إصلاحات وعد اللبنانيين بتنفيذها. لكن هذه الوعود ليست للمواطنين أساساَ، هي موجهّة في الأصل إلى الدائنين.

فيشترط التخلّف عن سداد الديون أسباب موجبة وإقرار برنامج إصلاحي “بيّاع”.

يُباع صورياً، ككل شيء، في الداخل والخارج. فيُبنى عليه أمل زائف إضافي يحمل المزيد من الديون على خزينة الدولة، يزيد من إحباط اللبنانيين ويأسهم. فأمل هذه السلطة، إحباط للناس.

والعكس صحيح، إحباط هذه السلطة، أمل للناس. هذا ما أكدته ثورة 17 تشرين منذ ساعاتها الأولى. 

“à refaire”
كشف الرئيس البروفيسور أنّ حلاً سحرياً على الجميع اعتماده للخروج من الأزمة ومنع دومينو الانهيار المالي والاقتصادي من الاستمرار، قائلاً “بلدنا رائع واستثنائي. شعبنا فريد من نوعه.

وأنا مؤمن حقا بمواهبنا الجماعية وغير العادية”. فكما النص الإنشائي في الصفوف الابتدائية يستوجب استخلاص عبرة، كذلك خطاب دياب.

فقال “إذا أردنا أن نستخلص من تاريخنا عبرة، فهي حتماً أن عدونا الأول كان دائماً هو نفسه: الانقسام. بالانقسام نفشل، أما بالوحدة فنتغلب على جميع الصعوبات. بالانقسام الفشل وبالوحدة النجاح”.

انتظر إشارة “جيد جداً، ثابر”، لكن الحقيقة تقول “حذار يا بنّي، à refaire”. فيبدو أنّ رئيس حكومتنا لم يستنتج أياَ من عبر تجارب الحكومات الماضية.

إذ يشير تاريخ هذه الحكومات إلى أنّه بعد اتفاق الطائف سادت “حكومات العيش المشترك”. وبعد 2005 تسلّمت الأمور حكومات “الوحدة الوطنية وكلنا للوطن للعلى للعلم”. فحلّ النهب والدين والفساد، ومعهم الأزمات التي نعيش نتائجها.

كأنها عبر لا عبر فيها.

والرئيس واعٍ لكل ذلك، إذ يؤكد أنّ “تلك السياسات أورثتنا بلداً مثقلاً بالأعباء الكثيرة”.

عدنا إلى اللغة الإنشائية مجدداً، فمللنا، غضبنا، جعنا، وثرنا.

 

المصدر المدن