تحت عنوان كتبت “المدن” الوزيرة تردّ التشكيلات القضائية: “الفيتو” العوني ضد الإصلاح بدأت الأوساط القانونية والحقوقية، تتلمس خطر تطيير مرسوم التشكيلات القضائية، الذي أعدّه مجلس القضاء الأعلى، بعد شهرين من الجلسات المتواصلة.
ويفترض أن تشكّل الخطوة الأولى على طريق تنقية العدالة من الشوائب، والدخول في مسيرة الإصلاح الحقيقي، الذي تبنّاه رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبّود، وتعهّد بأن يكون رأس أولوياته، لبناء سلطة قضائية مستقلّة تحكم باسم الشعب اللبناني، ومتحررة من التبعات لأي من القوى والأحزاب السياسية.
يوم الأربعاء، تحققت أولى المخاوف.
إذ ردت وزيرة العدل ماري كلود نجم مشروع التشكيلات القضائية إلى مجلس القضاء الأعلى، مع ثلاث ملاحظات رئيسية. والملاحظات هي، عدم اعتماد المعيار الطائفي، وإعادة النظر بمعايير توزيع القضاة، وعدم إعطاء وزيرة الدفاع رأيها باختيار قضاة المحكمة العسكرية.
(راجع الصور المرفقة أدناه)
وجاء رد المجلس الأعلى أنه “سيدرس الملاحظات لاتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع”.
فهل دخلت التشكيلات فعلاً مرحلة الخطر إلى حد تطييرها؟ “لم نبلغ مرحلة الخطر بعد”، يجيب مصدر قضائي بارز، “لكنّ كل شيء وارد، طالما أننا في بلد تتنازعه صراعات النفوذ حتى داخل الجسم القضائي”.
تقييم وملاحظات
في البدء كان التساؤل لماذا لم تفرج وزير العدل ماري كلود نجم عن التشكيلات ولم توقعها رغم مضي أسبوع كامل على تسلّمها إياها؟ يحاول المصدر القضائي عدم إثارة الشكوك حول نوايا الوزيرة، ويؤكد أن “لبنان بلد قانون ومؤسسات، والقانون يجيز لوزير العدل أياً كان هذا الوزير أن يدرس التشكيلات، فإذا لمس فيها ما يستوجب إعادة النظر، عندها يعود لمجلس القضاء أن يقيّم هذه الملاحظات، ومدى ملاءمتها على المعايير المعتمدة في التشكيلات فيأخذ بها، وله أن يصرّ عليها كما هي، وعندها تتحمّل السلطة السياسية مسؤولية الإخفاق في صدور التشكيلات، وتحرج نفسها، طالما أن رئيس الحكومة حسان دياب يلازم في كل خطاباته، على مقولة أن التشكيلات القضائية هي أبرز وسائل الإصلاح المنشود”.
غادة وسمرندا
ثمة سباق ما بين رغبة مجلس القضاء بتسريع صدور مرسوم التشكيلات، التي تطال 550 قاضياً، كما أعلن القاضي سهيل عبود، وبين الجنوح السياسي بعدم التفريط بأوراق قوّة لدى بعض القوى والأحزاب، خصوصاً عند فريق رئيس الجمهورية، الذي يتمسّك بمركز القاضية غادة عون، التي نقلت من منصبها كنائب عام استئنافي في جبل لبنان، إلى مركز ثانوي كمستشارة لدى محكمة التمييز الجزائية.
وهذا يعدّ إجراء عقابياً لها، بالإضافة إلى نقل القاضية سمرندا نصّار من مركز قاضي التحقيق الأول في الشمال إلى مستشارة في محكمة التمييز المدنية.
وكذلك نقل قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور إلى مركز أقلّ مما هو عليه الآن.
إجراء عقابي
وبرأي مصادر مواكبة لمسار التشكيلات، يجد فريق العهد أن هذه الإجراءات تقود إلى مسارين، الأول يظهر أن القضاة المقربين من العهد تحوم حولهم الشبهات.
وهذا يضفي صورة سلبية على أن كل فريق العهد في الوزارات والإدارات على شاكلة هؤلاء القضاة. والثاني يطرح تساؤلاً لدى الجهة نفسها، لماذا مقصلة الانتقام اقتصرت على المسيحيين المحسوبين على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، بينما لم يسر هذا الأسلوب العقابي على قضاة آخرين، خصوصاً المحسوبين على الثنائي الشيعي والدروز القريبين من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذين عززت مواقعهم في التشكيلات الجديدة؟
اعتراض قانوني وتقني
ولا يخفي البعض بأن هذه الأسماء، تمثّل محكاً مصيرياً للعهد.
ولذلك يؤثر هذا الفريق أن لا توقع وزيرة العدل على التشكيلات، ولا تحيلها إلى وزراء الدفاع والمال ورئيس الحكومة الذين سيوقعونها بلا تردد، ويصبح رئيس الجمهورية في وقع الحرج إذا رفضها. ولذلك يفضّل هذا الفريق أن يبقى الاعتراض عليها تقنياً وقانونياً، بدل من تسييسها في حال بقيت تنتظر توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون.
وتشير المصادر نفسها، إلى إن ولادة التشكيلات تنتظر إعادة النظر باسمين فقط، غادة عون وسمرندا نصّار، وإبقائهما في منصبيهما، وفي غضون ساعة واحدة ينشر المرسوم. وخلاف ذلك، فإن الانتظار سيطول والكرة في ملعب الآخرين.
وإن عدتم عدنا
نظرياً تبدو المسألة سهلة بالنسبة لـ”العهد القوي” ومستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي، صاحب اليد الطولى في الملاحظات المذكورة، لكن ثمة قضية مبدئية، لا يمكن تجاهلها، وهو أن قرار نقل غادة عون اتخذ ولا رجعة عنه، سواء هددت الأخيرة بالاستقالة أو لوّح الآخرون بتجميد التشكيلات.
كما أن إبقاء غادة عون في منصبها، يستدعي إعادة النظر بمواقع أخرى مثل مركز النائب العام الاستئنافي في الجنوب. إذ ترى المصادر نفسها أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي سيتمسّك حينئذ ببقاء القاضي رهيف رمضان في الجنوب على قاعدة “وإن عدتم عدنا”، والمعاملة بالمثل.
مقايضة متوازنة
وإذا كانت حجة العهد أن القاضية رانيا يحفوفي، التي اختيرت لتخلف رمضان في النيابة العامة في الجنوب، محسوبة على الرئيس برّي، فإن جواب الأخير واضح، وهو أن القاضي سامر ليشع الذي سيخلف القاضية عون مقرّب جداً من التيار الوطني الحرّ، وأن القاضي جوني القزي الذي سيحلّ مكان القاضية سمرندا نصار، يعدّ من فريق العهد، وهو كان مستشاراً لوزير العدل السابق ألبيرت سرحال، ولوزيرة العدل الحالية ماري كلود نجم.
كما أن القاضي زياد أبو حيدر الذي سيعيّن بمركز قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان مرضي عنه من فريق الرئيس عون. وبالتالي، فإن المقايضة متوازنة إلى أقصى الحدود.
الحراك يدعم
الصراع السياسي في مكان، وقرار مجلس القضاء الأعلى الصامت الأكبر في مكان آخر.
وبدا واضحاً أن التشكيلات تحظى بدعم مطلق من الحراك المدني، الذي نفّذ اعتصاماً أمام قصر العدل، طالب فيه بإصدار التشكيلات كما هي ومن دون تدخّل سياسي، وبما يؤدي إلى تحقيق سلطة قضائية مستقلة قولاً وفعلاً.
ويبدو أن صرخات المعتصمين، وصلت إلى مسامع رئيس مجلس القضاء الأعلى داخل مكتبه، في الطبقة الرابعة من قصر العدل في بيروت. ولم يتردد القاضي سهيل عبود في استقبال الحراك في قاعة محكمة التمييز.
وأعلن صراحة أن التشكيلات وضعت من دون أي تدخل سياسي. وقال “مشروعي الوحيد في رئاسة مجلس القضاء الوصول إلى قضاء مستقل تماماً. وقد بدأنا الخطوة الأولى في المسار الطويل من خلال التشكيلات القضائية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب”.
الاستقالة آخر الخيارات
وتعهّد رئيس مجلس القضاء الأعلى بمواصلة هذا المسار، وتوجّه إلى ناشطي الحراك والحقوقيين بالقول “إذا واجهت عقبات ومصاعب سألجأ إليكم وأصارح الرأي العام بما يحصل ومن دون تردد”.
وعندما سأله أحدهم “هل ستقدم استقالتك إذا واجهت اعتراض السياسيين على استقلالية القضاء؟ أجاب القاضي عبود بوضوح، الاستقالة تبقى مطروحة لكنها الخيار الأخير.
أما مشروعي الحقيقي فهو المواجهة وعدم الاستسلام، لأن الهروب من المسؤولية يعني الضعف وليس القوة”.
رسالة وزيرة العدل رداً للتشكيلات القضائية