الاّ أن معلومات “اللواء” أشارت الى ان الفاخوري لم يغادر لبنان ولم تتمكن الطائرة الأميركية التي حضرت من نقله إلى الولايات المتحدة، بعد قرار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القاضي أحمد مزهر بمنعه من السفر لشهرين، والذي سبقه طلب النقض الذي قدمه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي غسّان الخوري لنقض قرار المحكمة وإصدار مذكرة توقيف بحق الفاخوري. وذلك بموجب المادة 75 من قانون القضاء العسكري، معطوفاً على المادة 77 والتي اعطت مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية مهلة ثلاثين يوماً لتقديم النقض في جميع الحالات.
وكشفت مصادر متابعة لملف العميل عامر الفاخوري النقاب عن الاسباب الكامنة وراء اطلاق سراحه بانها مبررة في مرور المهلة الزمنية من جهة، ولان مانقلته السفيرة الأميركية الجديدة الى كافة المسؤولين السياسيين وغيرهم من كبار الموظفين والقضاة بان استمرار توقيفه من دون مبررات قانونية مقنعة وثابتة هو امر مرفوض من قبل الحكومة الاميركية وسيكون له تداعيات وانعكاسات خطيرة على كل من تولى تغطية ودعم هذا التصرف اللاقانوني، ولمحت الى توجهات جدية لفرض عقوبات على هؤلاء المسؤولين ايا كانوا في موقع القرار،إضافة الى احتمال تعليق المساعدات الأميركية للبنان حاليا ولاحقا.
كيف جرت الاتصالات لاطلاق سراحه؟
وتحدثت صحيفة “الأخبار” عن أن روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأميركي الذي عين خلفاً لجون بولتون، كان مسؤولاً عن ملفات الأميركيين المعتقلين أو المفقودين أو المختطفين في العالم. وهو الذي تولى المفاوضات مع سوريا بواسطة لبنان، لأجل إطلاق سراح أحد الأميركيين الذي تولى اللواء عباس ابراهيم نقله. وهو الذي استمر في البحث عن مفقودين أميركيين في سوريا والعراق واليمن.
أوبراين، بعد عشرة أيام على توقيف عامر الفاخوري في لبنان، أجرى اتصالات بوسطاء لبنانيين، وأبلغهم أن الملف بحوزته، وأنه تبلغ قراراً رفيعاً ببذل كل الجهود من أجل تحقيق “فك احتجاز” الفاخوري الذي قال أوبراين إنه “مواطن أميركي يلاحق بتهم سياسية لا أساس قانونياً لها”.
لم تمض أيام، حتى كانت الأجهزة المعنية في الولايات المتحدة الأميركية قد استنفرت جميعها. حتى إن مسؤولاً في وزارة الخارجية قال لزائر لبناني “يبدو أن الرجل مهم أكثر مما نعتقد”.
وحسب المعلومات، فإن الخطة الأميركية توزعت على ثلاثة محاور:
الأول رسمي، وتولّته وزارة الخارجية، ويعتمد على اتصالات مباشرة مع رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل والمستشار الرئاسي سليم جريصاتي.
الثاني أمني وعسكري، وتولّته السفارة الأميركية في بيروت وممثلون عن الأجهزة الأمنية الأميركية وشمل قيادة الجيش ومديرية المخابرات والقضاء العسكري ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
الثالث أمني ــــ سياسي، وتولّته الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع دبلوماسيين أميركيين، وجرت لقاءات في بيروت وباريس وواشنطن مع شخصيات لبنانية يعتقد بأنها يمكن أن تتحدث مع حزب الله من أجل الأمر. وترددت معلومات عن مفاجأة تقول بأن شخصية سياسية لبنانية على صلة قوية بحزب الله اجتمعت مع الجانب الأميركي في باريس وسمعت الرسالة التي يفترض بها نقلها الى بيروت.
وحسب المعلومات، فإن حصول الادّعاء على الفاخوري واضطرار القضاء الى توقيفه، دفع بالجانب الأميركي الى البحث عن وسائل أخرى، من بينها التقارير عن وضع صحي معقّد يعانيه الفاخوري، وكان قرار نقله الى مستشفى بعيداً عن الأعين، يهدف الى التعمية على حقيقة وضعه الصحي من جهة، وضمان حماية خاصة له بحجة أن الأميركيين تبلغوا معلومات عن احتمال تعرضه للقتل. ثم ليتبيّن لاحقاً أن الهدف هو الحؤول دون مثوله أمام القضاء المدني بدعاوى قام بها أسرى سابقون لدى قوات الاحتلال، وهو ما حصل.
بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وصل الى بيروت فريق أمني وقانوني، بينهم ممثل قانوني عن الفاخوري، وقام هذا الوفد بجولات شملت كل “المعنيين دون أي استثناء”، وصولاً الى رئاسة الحكومة الجديدة وإلى وزيرة الدفاع أيضاً. وكان الكلام مزدوجاً. الأول يطالب بإطلاقه لأسباب صحية، والثاني التلويح بمشروع قانون قابل للتشريع ويقضي بإعلان الولايات المتحدة الخصومة المباشرة مع كل الذين يتورطون في قضية الفاخوري. وقال مندوب أميركي لأحد المسؤولين اللبنانيين صراحة: إذا مات الفاخوري في بيروت، فسوف تتم معاقبة لائحة تشمل أكثر من 25 شخصاً، بينهم وزراء وقضاة وضباط كبار وقانونيون وموظفون إداريون يتحملون جميعاً المسؤولية عن موته. وإن العقوبات ستشملهم على طريقة من تتهمهم الولايات المتحدة بالتعاون مع حزب الله وبالتعرض لحياة مواطن أميركي.
وبحسب المعطيات، فإن النتيجة كانت على الشكل الآتي:
ــــ هلع غير مسبوق في جانب الفريق القريب من الرئيس عون، ولما كان الأخير يرفض الموافقة على الطلبات الأميركية، جاء من هو قريب منه ليدعوه الى تغليب مصالح لبنان العليا، وأن لبنان اليوم ليس في وضع يسمح له بالدخول في مواجهة إضافية مع واشنطن.
ــــ خوف ورعب من جانب قضاة وضباط كبار، تعرضوا كما يقولون لتهديد بتجميد حساباتهم ومنعهم من السفر ومقاضاتهم أمام محاكم أميركية وعالمية بتهمة قتل الفاخوري.
ــــ تراجع متوقع من جانب قيادات عسكرية وأمنية تسعى الى تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وهي قاربت الأمر من زاوية أن الفاخوري ليس قضية مهمة يجب التوقف عندها الآن.
وخلال الأسبوع الماضي، تسارعت الاتصالات بين جميع الأطراف، وعمد رئيس المحكمة العسكرية القاضي حسين العبدالله الى إبلاغ حزب الله أن هناك وجهة لدى قضاة المحكمة العسكرية بقبول الدفوع المقدمة من وكلاء الفاخوري، وأن أربعة من القضاة سيوافقون. ولكن موقف حزب بالله الذي تبلّغه رئيس المحكمة قال بأن الحزب يحترم ويدعم الاتهام الذي وجّهته القاضية نجاة أبو شقرا إلى الفاخوري، وأنه لا يرى أي منطق في اعتبار التهم قد سقطت بمرور الزمن. وسمع العبدالله من مسؤولين في حزب الله مباشرة: “إذا كنتَ تتعرّض لضغوط، ولا تستطيع مقاومتها، فأرجئ الجلسة إلى حين معالجة الأمر، بدل اتخاذ قرار ستحمل أوزاره في الدنيا والآخرة”. وانتهى التواصل بين الحزب ورئيس المحكمة بقول الأخير إنه لن يفرج عن الفاخوري. موقف حزب الله نفسه تم إبلاغه أيضاً الى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، علماً بأن الأخير صار يتصرف بطريقة مختلفة مع الجميع بعدما تبيّن له أنه صار خارج الجسم القضائي، فيما يشيع العبدالله أنه سيغادر لبنان نهائياً بعد إحالته على التقاعد.
وقبل ساعات من صدور القرار، تبلغت السفارة الأميركية عبر مصدر أمني رفيع المستوى أن المحكمة العسكرية تتجه لإصدار القرار. لكن رئيس المحكمة عمد قبل صدور القرار، بأقل من ساعة، الى الاتصال برئيس الحكومة ووزيري الدفاع والعدل مبلغاً مضمون القرار، ليتبيّن بعد مرور وقت قصير أنه تم تسريب القرار الى الإعلام، بينما كانت خلية في السفارة الأميركية في بيروت تستعد لتسلّم قرار الإخلاء والعمل على نقل الفاخوري الى السفارة في عوكر. وتم حجز طائرة طبية كان مقرراً أن تأتي الى بيروت من اليونان، لكن تقرر أن تنتظره في قبرص حيث يفترض أن يتم نقله من هناك الى مستشفى عسكري أميركي في ألمانيا قبل إعادته الى الولايات المتحدة الأميركية، وهو الأمر الذي لم يكن ممكناً التثبت من حصوله حتى ليل أمس. فبعد إصدار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية، أحمد مزهر، قراراً بمنع الفاخوري من السفر (بناءً على استدعاء مقدّم من الأسرى المحررين: سهى بشارة، جهاد عواضة، علي درويش ونبيه عواضة، عبر وكيليهم المحاميين حسن بزي وهيثم عزو)، لم يعد ممكناً إخراج العميل بصورة شرعية من البلاد. وفيما يُنتظر أن يتقدّم وكلاء الدفاع عنه بطلب نقض قرار مزهر، تقدّمت النيابة العامة لدى محكمة التمييز العسكرية بطلب نقض قرار المحكمة العسكرية الصادر أول من أمس، والذي قضى بكفّ التعقّبات بحق الفاخوري.
ضغوط كبيرة على القضاء
في الموازاة، قالت أوساط “حزب الله” لـ”نداء الوطن”: “تعرضنا لضغوط وفي كل مرة كنا نقول ان هذا خط أحمر ومرتبط بالمقاومة والشهداء”، الى ان تزايدت في الفترة الاخيرة الضغوط على السياسيين وتركزت في جزء منها على العميد حسين عبد الله، خصوصاً بعد أن رفضت القاضية نجاة ابو شقرا وقف التعقبات لمرور الزمن، فكانت النتيجة ان اتصل عبد الله بـ”حزب الله” شاكياً، “أتعرض لضغوط شديدة لأن الملف من الزاوية القانونية البحتة مبرر وأوراقي فارغة، وهناك ايضاً ضغوط سياسية تمارس بحقي”. حتى قبل يومين أي في يوم إصدار قراره عاود الاتصال مكرراً الشكوى ذاتها فكان جواب “حزب الله”: “ممنوع ان يطلق سراحه وهذا خط احمر”، تمنى “حزب الله” تمنياً شديد اللهجة على عبد الله “ألا يفعلها لكنه فعلها”، وأصدر قراره بكف التعقبات بحق الفاخوري وإطلاق سراحه. برأي “حزب الله” ان “القاضي أساء الى نفسه والى المحكمة العسكرية والى لبنان والمقاومة، والى بلدة الخيام والشهداء والجرحى والمعتقلين” وأنه “ختم حياته العسكرية وتوّجها بالخيانة بالافراج عن العميل فاخوري”.
وقف التعقبات والعقوبات
وفي سياق متصل سألت مصادر سياسية معارضة عبر “الشرق الأوسط” عما إذا كان قرار وقف التعقّب مرتبطاً بالمعلومات عن عقوبات أميركية ستطال حلفاء لـ”حزب الله” من خارج الثنائي الشيعي. كما سألت المصادر عما إذا كانت هناك أثمان ستدفع لقاء وقف التعقب بحق الفاخوري، مرتبطة “بتطبيع العلاقات الأميركية – اللبنانية والإبقاء على خيط رفيع بين واشنطن والحكومة اللبنانية يسهل ضوءاً أخضر أميركياً لصندوق النقد الدولي لتقديم مساعدات نقدية للبنان”، كما سألت عما إذا كان الثمن محلياً أم إقليمياً؟
وتوقفت مصادر سياسية معارضة عند الجدل السياسي الذي حصل، سائلة أن قراراً مشابهاً “هل يمكن أن يحصل من دون استمزاج رأي الأطراف الأساسية بالحكومة التي قد تبرر الموضوع على أنه يساعد على تنفيس الاحتقان مع الولايات المتحدة، ويتم عبره استيعاب الوضع وتذليل التأزّم مع واشنطن؟”. ولم تستبعد المصادر أن تكون المواقف الصادرة هي “لتسجيل موقف لامتصاص ردود الفعل والاحتقان، في حين قرار الإفراج عنه يبرّد التوتر مع واشنطن ويخرجها من دائرة التنافر”. وفي الوقت نفسه، سألت المصادر “ماذا لو حصل الحكم في زمن حكومة الرئيس سعد الحريري؟ ماذا كان يمكن أن يكون موقف الأطراف الممثلة في الحكومة اليوم منه؟”.