كتبت هيام القصيقي في “الأخبار”: ساهمت الحيثيات السياسية والشعبية التي رافقت تشكيل الحكومة في إحاطتها بأزمات داخلية أضيفت الى عزلتها الخارجية. وعند تفاعل أزمة صحية مستجدة كانتشار كورونا، وتفاقم الأزمة المصرفية، ظهرت مفاعيل هذا العزل المزدوج. صحيح أن الحكومة نالت شرعية ديموقراطية من خلال التصويت في مجلس النواب على الثقة، لكنها لم تتمكن من الحصول على شرعيتها السياسية والشعبية منذ أن بدأت خطواتها المتعثرة، وإرباكاتها المتكررة. هذا ما يحدث في ملف التشكيلات القضائية، وصفقة الإفراج عن عامر الفاخوري المتهم بتعذيب معتقلي الخيام. إضافة الى التعبئة العامة التي لم تعدّها الحكومة، بل استنبط فكرتها مستشارو القصر الجمهوري، من دون أن تضع الحكومة أي خطة عملية لتنفيذها ومواكبتها بإجراءات تتعلق بوزارات الكهرباء والمياه وشركات الخلوي، وترجمتها على الأرض، وعدم تحديد هوية منفذي التعبئة.
في المقابل، ومع بدء انتشار الفيروس، كان لافتاً أن لبنان لم يحظَ بالاهتمام المعتاد من دول اعتادت رعايته عند أزمات مماثلة، كما كان يحصل خلال الحروب والأزمات المعيشية الحادة. عدا فرنسا عبر قنوات خاصة ولأسباب تتعلق بتوأمة أو تبادل صحي من خلال مؤسسات استشفائية خاصة متعاونة معها، وبضع معدات صينية لمطار بيروت، لم يجد لبنان سنداً فعلياً على مستوى تأمين الاحتياجات الضرورية والمعدات الطبية اللازمة. صحيح أن تفاعل الأزمة الصحية في كل أوروبا جعل كل دولة تحصر طواقمها ومعداتها واحتياجاتها في بلدها، إلا أن لبنان أيضاً لم يحظ أيضاً بتحرك فاعل من الأمم المتحدة تجاهه، ولا من أي دولة عربية أو غربية بأدنى اهتمام لتأمين الحد الأدنى من احتياجاته، وترك لقدره وتعليمات منظمة الصحة العالمية. من هنا كان لافتاً أن مجلس الوزراء الذي خصص لإعلان التعبئة العامة، كلف وزير الخارجية ناصيف حتي، بالتعاون مع وزير الصحة، الاتصال بسفارات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لتزويد لبنان بالمستلزمات الطبية والاستشفائية والمخبرية والأدوية بموجب هبات أو مساعدات عينية أو مادية. لافتٌ إقدام الحكومة على مد يدها لطلب المساعدة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية من دول طاولها الفيروس وأصابتها النكبة الاقتصادية من جرائه. ولافت أيضاً تكليف وزير الخارجية، في وقت تعيش فيه الحكومة منذ ولادتها عزلة دولية، وقبلها رئاسة الجمهورية، بعدما لم يلحظ جدول أعمال رئيس الحكومة أي جولة عربية أو غربية، وهو ما يتعذر عليه القيام به على الأقل لدواع صحية بعد إقفال المطارات وانتشار كورونا.
ليس مستحيلاً أن تقدّم أي دولة عربية مساعدات مالية، لكن لأي حكومة ستقدَّم هذه المساعدات، بعد مرحلة جفاء سياسية مع لبنان؟ وأي دولة غربية أن تقدّم أيضاً مساعدات عينية، وهي التي تخصص مليارت الدولارت حالياً لمواكبة حملة مكافحة المرض. لكن كيف لهذه الدول أن تتحرك، فيما لبنان الخاص والرسمي منكفئ في شكل فاعل عن تقديم المساعدة لشعبه ونظامه الصحي. ففي العالم اليوم حملة شاملة من كبار رجال أعمال وأثرياء ومصرفيين وأصحاب شركات معلوماتية وخدماتية ودور أزياء لتخصيص مساعدات مباشرة لدعم حملة بلادهم ومستشفياتها وتأمين أدوية التعقيم وصناعة الأجهزة التنفسية المطلوبة تحت إشراف الحكومات مباشرة. لكن في لبنان، الذي انكشف فساد السلطة فيه أمام العالم أجمع بعد تظاهرات 17 تشرين الأول، وتهريب الأموال الى الخارج، وفي غياب أدنى المبادرات على مستوى مماثل من الطبقة الثرية نفسها، كيف يمكن أي دولة أن تمدّه بالمساعدة حتى الإنسانية، في وقت تنكشف فيه يومياً فضائح جديدة. إذ فيما ينشغل اللبنانيون بتأمين أدوية ضرورية بعدما فقدت من الأسواق، تنشغل الحكومة في ترتيب أوضاع المصارف، وترضخ حالياً لأسوأ عملية ابتزاز من جانبها، وهو أمر تراقبه الدول المعنية وممثلوها في بيروت. فأي دولة يمكن أن تساهم في مدّ لبنان بما يحتاج إليه، (وهذا أمر سيطرح لاحقاً أيضاً عند الحديث عن دعم قطاع الكهرباء ومشاريع البنى التحتية)، في حين أن المصارف التي حققت أرباحاً طائلة وهرّبت أموالها الى الخارج، مع مجموعات من السياسيين، لم تكلف نفسها عناء القيام بمبادرة ما في هذه المرحلة؟
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا