عن كورونا الذي عرّانا.. إنه العدل الإلهي

23 مارس 2020
عن كورونا الذي عرّانا.. إنه العدل الإلهي

كأننا عميان. كأن الفردانية التي ثبتتها ثقافة العالم الجديد وقوانينه جعلتنا نقيس المخاطر على أشخاصنا كأفراد فحسب. لكن ما يحدث اليوم نسف الماضي كله. تلك الأنا المتضخمة التي لا يردعها رادع عن الربح السريع والكسب، ولو على حساب الآخرين، يبدو أن العدل الإلهي قرر أن يضع لها حداً، وأن يوحي لنا الرب في علاه أننا جميعاً بشر من طينة واحدة، وأن لا ريشة على رأس أحد منا.

الفقير والغني، أصحاب السلطة والمحكومين، السجان والسجين، الأبيض والأسمر والأسود. المتدين والملحد ومن بينهما. كلهم في البلاء سواء. هذا ما يمكن أن نخلص إليه اليوم ونحن تحت وطأة وباء عالمي إسمه “كورونا”.

يظهر أن جل الناس لا يحرّك إنسانيتهم إلا دنوهم من الموت. إستشعارهم به. تحسسه قريب منهم. ما يجري منذ تحوّل كورونا الى وباء عالمي يحصد الأرواح، تبين للكثيرين منا أن ثمة ما يجب فعله وبسرعة لحماية أنفسهم.

التعقيم والحماية الشخصية ليس أقل ما يقومون به. معظمهم عادوا الى ما يسد فراغاً روحياً بنته ثقافة الإستهلاك واللامبالاة والأنانية، لعلهم يردمون تلك الفجوة التي يجب أن تُملأ سريعاً بما يطمئنهم. صلوات لا تنتهي، وأدعية يتم تداولها على كافة وسائل التواصل، وعودة الى الطب الشعبي ذات الموروث الديني.

“كورونا” وحّدنا إذن! كان يلزمنا وباء يميط اللثام عن عيوننا وقلوبنا لنرى ونشعر ونخاف، والأهم، أن نراجع مسيرتنا في هذه الحياة الموغلة في هشاشتها. هكذا لنستعيد ونتفكر في طرائق عيشنا. كيف أننا نمارس الظلم العاري والوقح أمام الجميع من دون أدنى شعور بالذنب.

“كورونا” يعيدنا اليوم الى أنفسنا، والى خوفنا الفطري من الموت، الذي كان مخفياً بتلك الدعوات الملونة والفارغة الى حب الحياة والإنغماس في ملذاتها، ونسيان أن وجودنا وحياتنا وموتنا ليس عبثاً، وأن لكل شيء في هذا الكون معنى. أن المرض والخوف والموت واقع لا يفرق بين قومية وأخرى وبين بلد وآخر.

لا حصانة اليوم بين المواطن الفقير المعزول في منزله، وبين صاحب السلطة القادر على تحريك جيش بأكمله. كلاهما إنسانان، خوفهما ذاته، أملهما نفسه. مراجعتهما وقد أضحى لديهما الكثير من الوقت هو ذاته أيضاً. فقير يستدعي موقفاً ظُلم فيه آخرون، غرباء كانوا أم أقرباء، وصاحب سلطة ينظر الى عائلته ويتملكه الخوف عليها، ويتذكر كم من ظلم ألحقه بالناس.

“كورونا” جعلنا عراة أمام الحقيقة. حقيقة أننا بشر لا حول لنا ولا قوة. وأننا مهما امتلكنا من أسباب القوة والعلم، فإن حياتنا سهلة السلب والغياب. إنه العدل الإلهي، الذي وضعنا اليوم أمام أنفسنا، لنغوص في التفكير وربما نصل الى خلاصات تخفف من شقائنا عندما ينفرج هذا الغمّ. أن نعتني بأنفسنا وبالآخرين. أن ندرك أن المسافات لا تؤمننا من الموت، وأن الحياة والأرض التي منحنا اياها الله، نعمة حفاظنا عليها واجب، أن نحيا بالشكل الذي تليق به الحياة.