طبيبان في الشمال الإيطالي
تواصلت “المدن” مع لبنانيين مقيمين في أكثر من منطقة في الشمال الإيطالي، حيث ينتشر وباء كورونا، ولم يبد أي منهم أي رغبة في العودة، مستغربين كيف صور البعض مشهد اللبنانيين في إيطاليا.
في حديث إلى “المدن” يقول طبيب الأمراض الصدرية في مستشفى كاتينارا في مدينة تريستي (شمال شرق إيطاليا) محمد جبر، أن الوضع الكارثي في إيطاليا ما زال أفضل من لبنان.
لقد استحدث المستشفى حيث يعمل جبر قسمان لعلاج المصابين بكورونا.
وباتوا يستقبلون المرضى من مقاطعة لومبارديّا حيث تفشى الوباء بشكل فعلي في إيطاليا.
ورغم أن جبر لا يرى زوجته إلا مرة واحدة في الأسبوع، منذ انتشار الوباء، ما زال ينظر إلى لبنان مثلما تركه منذ نحو عشرين عاماً، بلد يموت فيه الفقير على أبواب المستشفيات، وغلاء الأسعار فيه فاحش قياساً ببلده الثاني إيطاليا.
أما الطبيب منذر هزيم، الذي يعيش في تريستي أيضاً منذ قرابة 15 عاماً، فيسأل: “لماذا نعود إلى لبنان في ظل الأزمة الحالية، وأين نتطبب في حال أصابنا مكروه كورونا؟”.
الوضع الصحي في إيطاليا كارثي، كما يقول هزيم، لكنه لا يقارن بلبنان في حال تفشي الوباء.
فهو يعمل في قسم الرعاية الصحية المسائية، للاستجابة للحالات الطارئة التي تأتي من المواطنين.
ويقول إن الوضع كارثي ليس بسبب النقص الحاد في الأطباء والجسم التمريضي، بل أيضاً على مستوى نقص المستلزمات الطبية.
ففي القسم الذي يعمل فيه ورغم تماسهم المباشر مع المرضى، ليس مجهزاً بالثياب الواقية ولا بالكمامات، في حال استدعى الأمر الكشف على المريض واسعافه.
بالتالي اقتصر عملهم على الكشف التلفوني على المرضى. وفي حال راودهم الشك بإصابة المتصل بفيروس كورونا، يحولون طلبه إلى القسم المعني بهذا الوباء.
فقد فضل الطاقم الطبي العمل بهذه الطريقة بسبب النقص الحاد في التجهيزات وفي عديد الجسم الطبي.
التخرّج عبر “الفيديو كونفرنس”
المتخرج في الهندسة المدنية أحمد لاذقاني يشاطر جبر وهزيم أن مستقبلهم في إيطاليا أفضل من لبنان. ورغم أنه تخرج منذ ثلاثة أيام عبر تقنية سكايب، لا يجد أن العودة إلى لبنان أفضل له ولعائلته.
بعد أن أكمل جميع مواده لم يصدق أنه سيتخرج من خلال مناقشة مشروع التخرج عبر تقنية “الفيديو كونفرنس” كما أبلغته الجامعة. لكنه ناقش مشروعه حول أثر الزلازل على الأبنية الأثرية، يوم الجمعة الفائت، وحضر أمام لجنة مؤلفة من أربعة أساتذة، جميعهم من خلف الشاشات. ومنحته اللجنة درجة ثلاثين على ثلاثين، وما عليه إلا معاودة نقاش شكلي للمشروع أمام لجنة أخرى بحضور أهله، للاحتفال بالتخرج على الطريقة الإيطالية التقليدية.
وعن وضع الطلاب في المدينة، يعتبر أنه أصعب من الموظفين، لكن من يعيشون في بيت الطلبة تصلهم يومياً حاجاتهم الضرورية، كما قال. ومن ليس عنده منحة دراسية، فقد أعلنت البلدية حديثاً أنها ستؤمن لجميع السكان “كوبونات” شرائية لمواجهة الأزمة الحالية.
ولاذقاني مثله مثل هزيم وجبر، يعيشون في مدينة تريستي، وهم على تواصل يومي مع معظم اللبنانيين ولا سيما الطلاب، وهناك منصات محادثة بين الجميع.
وأي شخص يحتاج المساعدة يتعاونون بين بعضهم لسدها. وأضاف لاذقاني أن العديد من الطلاب راسلوا السفارة للمساعدة فطلبت منهم ملء استمارات للنظر فيها. لكنه لا يرى أن العودة إلى لبنان مطلباً ملحاً له، رغم أنه فقد عمله مؤقتاً. إذ كان يعمل في مطعم مساء ويدرس صباحاً.
المصارف اللبنانية هي السبب
بدوره يؤكد المهندس بشار رزق أنه لا يفكر حاليا في العودة، ويشدد على أنه ما زال يعمل “أون لاين” من منزله. ورغم أن رزق يعيش في مدينة بارما، التي باتت من المدن الأكثر وباءً في مقاطعة إيميليا رومانيا، يعتقد أن الوضع ما زال جيداً رغم كل ما يحكى في وسائل الإعلام.
ومثلهم أيضاً تعتبر عبير حسين، التي تخرجت حديثاً في اختصاص البيولوجيا الجزئية، أن العودة إلى لبنان ليست حاجة ملحة. فالمصابون الذين لا يظهرون عوارض بمثابة قنبلة موقوتة، وأغلب الإصابات في إيطاليا انتقلت من أشخاص لا تظهر عليهم عوارض المرض.
لذا فضّلت الانتقال للعيش عند أخاها مؤقتاً في مدينة جنوا على العودة إلى لبنان، الذي برأيها غير مؤهل لاستقبال أعداد كبيرة من المرضى، كما تقول.
وحسين على تواصل أيضاً مع العديد من الطلاب في أكثر من مدينة إيطالية، وهي ما زالت بلا عمل وتبحث عن جامعة لاستكمال دارستها العليا.
وإذ تؤكد أن بعض الطلاب اللبنانيين طالبوا بالعودة، وخصوصاً الطلاب الجدد، بسبب عدم تحويل المصارف الأموال لهم، تشير إلى أن هناك جمعيات لبنانية تعمل على جمع التبرعات للمحتاجين، الذين لم يحصلوا بعد على المنح الدراسية التي تقدمها الدولة.
أما رزق فيضيف: في المدينة حيث أعيش فكر البعض بالعودة إلى لبنان في بداية الأزمة، لكنهم عدلوا عن رأيهم، مخافة إقفال المطار في لبنان بعد تفشي الوباء، وعدم الإمكانية للعودة إلى إيطاليا بعد انتهاء الأزمة.
لقد باتت جميع الأسرّة في مستشفيات المقاطعة حيث يعيش هزيم وجبر، ممتلئة وقد فتك الفيروس ببعض دور العجزة، بعدما اكتشفوا أن العدوى انتقلت إليهم من العاملين.
بالتالي باتت المستشفيات تستقبل الإصابات الحرجة حصراً، وباقي المصابين يتلقون العلاج في منازلهم.
وقد فرضت الحكومة الحجر المنزلي وأقفلت كل المؤسسات باستثناء تلك التي تصنّع أو تقدم المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المؤسسات.
وبات جميع المواطنين بحاجة لتعبئة استمارة للتنقل.
لكن رغم ذلك لا يجد اللبنانيون جدوى من العودة إلى لبنان، كما يقولون.
فالدولة الإيطالية لن تتركهم كما فعل لبنان.