كلما تهاوى لبنان و”شعبه” من حضيض إلى حضيض، يزداد الرئيس ميشال عون اعتداداً وفخاراً بنفسه، بمنصبه الرئاسي، وتزداد ديكورات قصره الجمهوري بهاءً وبريقاً، ليكون المقام لائقاً بذلك المجد، الذي يكلّل هامة الجنرال الرئيس في ختام مسيرته الكبرى.
الرئيس المخلص
هذا هو لبنان ومجده اللذان يليقان بالرئيس المخلص.
صواري الأعلام العشر، تشبه بيارق مجد، وتنتهي بحراب كالتي تستعيد مهابة الرماح والسيوف في أزمنةٍ سالفة. ومن سقف القاعة الكرنفالية تتدلى ثريا أنيقة مشعشة في وسط فضاء القاعة. لكنها في الصورة تبدو متدلية فوق رأس الرئيس، فتضاعفُ انفراده المهيب في صدر القاعة التي تبديها الصورة بيضاوية.
والرئيس في تصدره المنفرد، تفصل بينه وبين صفَّي الوزراء ورئيس الحكومة أمتارٌ عن يمينه، وأمتار مثلها عن يساره. وكأنما الرئيس في انفراده هذا عن الوزراء ورئيسهم، وخلفه وحده دون سواه صفّت الأعلام، أُعطي له وحده “مجد لبنان” التاريخ في تجليه وتجسيده هنا والآن، ومنذ كان التاريخ ولبنان.
الغائب – الحاضر
أما صفّا الوزيرات/الوزراء الكثيرين على جانبي الرئيس، فيتحلقون متقاربين على هامشي القاعة، وشاخصين إليه في صدرها، مشكلين خطين منحنيين خلف طاولاتهم “الكروم” الأنيق، الرصاصي اللون. وجُهزت هذه الطاولات مكشوفة من الأسفل، لتناسب الاتقاء من عدوى وباء كورونا.
وزيرات/وزراء أبداهم تقاربهم كثيرين، على الرغم من تغيّب اثنين منهم ومنهن، هما حصة الزعيم الشمالي سليمان طوني سليمان فرنجية، والذي يُقال إنه حَرِدَ، لأن جبران باسيل، صهر الرئيس – الجالس ربما في قاعةٍ جانبيةٍ من القصر الجمهوري، يسترّق السمع إلى ما يدور في قاعة الجلسة الوزارية – أراد الاستيلاء على حصته من تعيينات موظفي الفئة الأولى في الدولة: نواب حاكم مصرف لبنان المفلس (لا يهم)، أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، وقد تُعلن إفلاسها قريباً (لا يهم أيضاً). المهم هي المناصب. يا لجمال المناصب، يا لبهائها في لبنان المتهاوي من حضيض إلى حضيض.
لوحات “ع مد النظر”
لكن ديكور المشهد الكرنفالي هذا لا يكتمل إلا بتلك اللوحتين الإعلانيتين أو الثلاث المنصوبة وسط المساحة البيضاوية الفارغة، بين صفّي الوزراء وأمام طاولة الرئيس المنفردة. لوحات إعلانية مكتوبة في دائرة وسط كل منها عبارة متكررة، وباللغتين العربية والفرنسية: “رئاسة الجمهورية اللبنانية”.
“لوحات (إعلانية) ع مد النظر ما بينشبع منها نظر”، لئلا يظننَّ أو يحسبنَّ أو يسهونّ أحدٌ أنه ليس في حضرة رئيس الجمهورية في انفراده المهيب. وأن مجد لبنان لم يعطَ إلّا له وحده دون سواه، بعد تلك السنوات الطويلة العجاف التي عاشها لبنان في غياب الجنرال الرئيس المخلص عن لبنان، وخلو القصر الجمهوري من بطولاته وصولاته وجولاته.
حكومة الأمواج العاتية
أما لماذا هذا الاجتماع الوزراي في حضرة الرئيس، وما هي حصيلته؟
فالجواب عند السيدة الوزيرة منال عبد الصمد، تتلوه كالعادة، كما كتبه لها رئيس الحكومة الكتوم الدكتور حسان دياب. وهو إذا لم يمدح نفسه متباهياً بنفسه وحكومته وإنجازاتها، يروح يتباكى بكاءً رومنطيقياً من “محاصصة” السياسيين والزعماء مستَلهِماً بكائيات الشيخ المغفور له مصطفى لطفي المنفلوطي في إنشائه المدرسي للصفوف المتوسطة في مطالع القرن العشرين.
كأن يكتب رئيس حكومة التكنوقراطي، وتتلو عنه وزيرة الإعلام التكنوقراطية قائلة: “قدرُ هذه الحكومة (الأحمق الخطى؟) أن تحمل أعباء التحديات، وتخوض غمار هذه الأمواج العاتية”.
أمواجٌ عاتية؟ ومن هم عتاة هذه الأمواج سوى جبران باسيل ونبيه بري وسليمان فرنجية وحسن نصرالله وميشال عون، الذين فتح كل منهم أرشيف ذكرياته، بحثاً عن رجال ونساء طيفيين كالظلال ليصنعوا منهم وزراء؟ اختاروا منهم دزينتين، ونفخوا فيهم روحاً من عندهم، فغادروا طيفيتهم وظلِّيتهم، وصاروا كما أُريد لهم أن يصيروا. ثم قذفوا في اليم المتلاطم لسلطنات صانعيهم وسلطنات سواهم التي تبتلع لبنان “وشعبه”، وتتهاوى به من حضيض إلى حضيض إلى حضيض.