النداء الأخير: إعلان حالة الطوارئ أو سيناريو إيطاليا..

5 أبريل 2020
النداء الأخير: إعلان حالة الطوارئ أو سيناريو إيطاليا..
نسرين مرعب

ليس تفصيلاً أن يخرج رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى الحريري، الدكتور محمود حسون كي يحذّرنا من السيناريو الإيطالي قائلاً “لسنا بخير”، فلبنان استعاد حياته الطبيعية وبات يتعامل مع الحجر كلعبة “الغميضة”، فيخرج صباحاً ويتجوّل ويعانق ويقبّل. أما في المساء فيقفل بوابة بيته خوفاً من الفيروس. ولكن من قال إنّ الفيروس يخرج فقط عند المساء؟ يقول أحد الناشطين ساخراً من عدم الجدّية في التعامل مع قرار التعبئة والحجر في ظلّ الحشود التي تملأ الشوارع.

الحدث أمس واليوم من عكار، ودير الأحمر. تشييعات وجموع دون أيّ أدنى وقاية. 2000 شخص حضروا تشييع المعاون الأوّل حسن الدالي في بلدته برقايل في عكار، ورافقه إلى المدفن 500 شخص كما يُظهر الفيديو المرافق. أيّ منهم لم يرتد الكمامات، لا مسافة تباعد ولا امتناع عن المصافحة والتقبيل.

في دير الأحمر المشهد نفسه، حشود اجتمعت في جنازة الشاب يوسف عماد، إهمال في الوقاية يضاف إليه غوغائية الرصاص الطائش، الذي لا تعرف في جسد أيّ ضحية قد يستقرّ.

المناطق اللبنانية الأخرى ليست أفضل حالاً، طريق خلدة مزدحمة كأيّ يوم عيد، وفي بيروت شوهد أناس يمارسون السباحة والرياضة على الكورنيش، أما طرابلس فتعيش حالة من الهلع، بعد الاشتباه بحالتي إصابة بالكورونا إحداها اختلطت بالمتظاهرين أمس الأوّل، ما دفع الجيش إلى التحليق بالهليكوبتر اليوم فوق سماء المدينة أمس، مطلقاً النداءات الداعية للالتزام بالحجر المنزلي.

الحكومة اللبنانية من جهتها تحذّر: “الله يستر اللبنانيين”، قالتها أوّل أمس وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، مشيرة إلى أنّ الحكومة تتوّجه إلى التشدد في الإجراءات، فيما أعلن وزير الصحة حسن حمد أنّنا “لا نزال في دائرة الخطر وفي عين العاصفة وقد ننزلق سريعًا إذا لم نعرف إدارة المعركة بالشكل المناسب”.

إقرأ أيضاً: محمّد جواد خليفة يرفع الصوت لـ”أساس”: إستعدوا لسيناريو كورونا الأسوأ

اختصاصية الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى رفيق الحريري الدكتورة ميشال صليبا، تعتبر في حديث لـ”أساس” أنّه لا بد من التحذير: “لدينا تزايد في الحالات وهناك حالات مجهولة المصدر. وعندما يصبح لدينا انتشار محلي للفيروس فالطريقة الوحيدة للتعامل معه هو في تحاشي كل التجمعات غير الضرورية، حتى نهاية هذا الوباء أو اكتشاف لقاح له. وحتّى الآن لا يوجد أي دواء مؤكد بل هناك فقط أدوية تجرّب. وكما نرى في إيطاليا وفرنسا وأميركا الحالات تزداد بشكل سريع وفي بعض الأحيان تتخطّى قدرة الاستشفاء في البلد على الاستيعاب، وهنا تقع الكارثة. وعندما تزداد أعداد الحالات، سيزداد في المقابل عدد الحالات الحرجة”.

الفريق الطبّي في مستشفى رفيق الحريري يعيش في حالة من الحذر: “إذا لم يلتزم اللبنانيون، عدّاد الإصابات سيرتفع بطريقة سريعة جداً”. هل تتوقعون النتائج السلبية لما يجري خلال الأيام المقبلة؟ تجيب الدكتورة صليبا: “طبعاً نتوقع الأسوأ. ونحضّر أنفسنا للأسوأ. وهذا ما لا نتمنى أن نصل إليه”.

في الختام تتوّجه الدكتورة صليبا إلى المواطنين، مطالبة إياهم بـ “عدم الخروج من المنازل إلاّ للحاجة القصوى، وتجنّب الأماكن المزدحمة والمحافظة على مسافة التباعد وارتداء الماسكات الاصطناعية عند الخروج إلى مكان مزدحم وغسل اليدين بانتظام”. أما المرضى والذين لديهم عوارض التهابية فتطالبهم بـ”البقاء في منازلهم والتواصل مع طبيبهم كي يحيطهم بالإرشادات التي يجب اتخاذها”.

البروفسور الاختصاصي في الأمراض الجرثومية وعضو في اللجنة الوطنية للأمراض المعدية الدكتور عبد الرحمن البزري تفاجأ بأنّ “الحكومة تراخت في الإجراءات، خصوصاً خلال النهار. فالإجراءات الليلية جيدة ولا مشكلة فيها”.

طبعاً هناك إجراءات كان يجب أن تتخذ، ولكن في المقابل هناك توصيات علمية كثيرة نفذت ونشكر من نفذها، خصوصاً موظفي وزارة الصحة

في حديث لـ”أساس” يُرجع الدكتور البزري هذا التراخي نهاراً إلى أسباب عدّة: “هناك ضغوط وواسطة سياسية في بعض المناطق كي يتم التغاضي عن بعض المصالح، وهذا يظهر أنّ الدولة اللبنانية ما زالت مجموعة مصالح رعوية أكثر مما هي مؤسسات، أما الجزء الثاني فيقول إن المواطنين اعتبروا عند فرض حظر التجوّل الليلي أنّ الحركة في النهار  مسموحة، وهناك جزء ثالث يُعيد هذا الأمر إلى أسباب مبررة ولكنّها لا تفسّر الفوضى وهي أنّ الناس جاعت والدولة حتى الآن متأخرة ولم تقم بالصفعة الاجتماعية الحياتية المتكاملة”، مضيفاً: “لا يمكن الطلب من الناس البقاء في بيوتها دون تأمين لها ما تعيش منه، خصوصاً أنّ القسم الأكبر من الشعب اللبناني إما هو مياوم، أو كان تحت خط الفقر، أو كان يعاني بسبب الثورة والإجراءات المصرفية والمالية والسرقة التي وقعت سابقاً”.

“الكورونا وباءٌ جاء في أسوأ وقت، حين فقد اللبناني ملاءته، فيما المصارف أرسلت أموالها إلى الخارج وسياسيوه وضعوا أيديهم على البلد وأخرجوا أموالهم”. بهذه الكلمات يصف الدكتور البزري الواقع، متمنياً على الدولة، خصوصاً الأجهزة الأمنية، أن تتشدّد خلال النهار بمنع التجمعات وليس في منع الحركة فـ”اليوم في أسواق الجملة هناك ازدحام، وأيضاً في  صفوف الانتظار على المصارف. هذا كلّه يظهر إما أنّ الدولة بلا عيون أو أنّها منفصلة عن واقع الناس”.

ومن خلال “أساس” يوجّه الدكتور البزري نداءً باسم الأطباء والاختصاصيين واللجنة الاستشارية في الحكومة، إلى المعنيين قائلأً: “الإجراءات يجب أن يكون تنفيذها كاملاً كي تعطي مردودها”.

وعلى الرغم من هذا الواقع، إلا أنّ الدكتور البزري ما زال متمسكاً بالتفاؤل: “الواقع الصحي حتّى الآن نسبياً مقبول مقارنة بغيرنا من الدول، فوزارة الصحة لحظت المشكلة منذ اليوم الأوّل، عندما كان فيروس الكورونا ما زال محصوراً في الصين وطلبت منّا كخبراء أن نتعاون معها لوضع خطّة. صحيح أنّ المقترحات التي تقدمنا بها لم تنفّذ كلّها، لكنّها وضعت أرضية لعمل متقّدم. يضاف إلى ذلك أنّ لبنان في 21 شباط اكتشف أول حالة وتعامل مع الوضع كمشكلة وطنية كبرى في حين أنّ الدول الكبرى لم تتعامل مع الفيروس على الفور”، مضيفاً: “طبعاً هناك إجراءات كان يجب أن تتخذ، ولكن في المقابل هناك توصيات علمية كثيرة نفذت ونشكر من نفذها، خصوصاً موظفي وزارة الصحة”.

ويشير الدكتور البزري إلى أنّ “الإجراءات التي اتّخذتها مؤسسات الدولة مؤخراً، ورغم أنّها لا تنفّذ بشكل كامل، غير أنّها في مرحلة من المراحل حدّت من عملية الانتشار وهذا ما جعل المقارنة سواء بنسبة الإصابة بعدد السكان أو بنسبة الوفيات، أفضل من دول أخرى”.

وفي الختام توّجه الدكتور البزري إلى اللبنانيين بالقول: “نتأمل أن تلتزموا أكثر. اليوم الكورونا لا نقضي عليها إلا بعدم التواصل، لا بالدواء ولا باللقاح ولا بارتداء الماسك بشكل وهمي. فإذا بقي المواطن اليوم في منزله وامتنع عن الاختلاط فهو بذلك يحمي عائلته والمقربين منه، ويحمي أيضاً مجتمعه ووطنه. أما الدولة فنقول لها إنه على الرغم من عجزها وتعاستها، غير أنّها قادرة على أن تؤدي دورها بشكل أفضل”.

المصدر أساس